بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وآله الغر الميامين وعلى خاتمهم وقائمهم أرواحنا والعالمين فداه .
امتاز الذكر الحكيم والثقل الأكبر والحبل الممدود بين الأرض والسماء والكتاب المبين بين سائر الكتب السماوية بأنه المهيمن على كل شيء والجامع لكل المعارف والحي الذي يعبث الحياة في نفوس المعتقدين به وغيرهم حيث أن من أهم وظائفه بعث الروح الإيمانية في النفوس والهداية الواقعية الموجبة للصلاح وعمارة الأرض بالفضائل والنهضة المعرفية والقيمية والحضارية الوارثة .
وقد روى الكليني بسند صحيح عن أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام)، قال:
" إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شئ حتى - والله - ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد، حتى لا يستطيع عبد أن يقول: لو كان هذا انزل في القرآن؟ إلا وقد أنزله الله فيه"
والقرآن من أهم عناصر حركية الأمة وترابطها عمودياً وأفقياً كما يعبّر بعض العلماء ، وهو كتاب للهداية ولم يأتِ ليحل محل العلوم المختلفة الطبيعية وغيرها بل ليتوّج حياة الإنسان بأهم مقوّمات الفوز والطمأنينة وبناء خير أمة أخرجت للناس .
لقد شكّل القرآن الكريم بآياته وسوره وحدة عضوية لا يمكن أن يجد المدقق أي ثغرة ينفذ منها وإلا لاستطاع المترصّدون والمعاندون طوال التاريخ منذ نزول القرآن الكريم وحتى يومنا ذلك إذ ( لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) ولو استطاعوا أن يقدّموا شواهد على بشريته وتناقضه لقدّموها وإنهم لعاجزون وهو من شواهد وحيانيته وما يترتب من حجيته ودستوريته للعلم والعمل والهداية والاسترشاد .
لقد انبرى الأولياء والعلماء منذ الصدر الأول للإسلام العزيز بالعناية الفائقة بالقرآن الكريم تفسيراً وتبياناً وكتابةً ونشراً إيماناً منهم بأن أحد الروافد الثرية للأمة هو بيان القرآن وتبيانه وتوضيحه وتفسيره كونه جسراً ضرورياً للوصول له ونهراً تغترف منه الأمة معينها الصافي والأصفى والوافي والأوفى، وقد قدّم سادة الخلائق ووارثي الكتاب وأوصياء النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله الأئمة الأطهار عليهم السلام الكثير في خدمة كتابه الله المبين فكانوا هم الثقل الآخر الذي لا يمكن إدراك حقائق القرآن دون الرجوع إليهم .
ومن خزّان العلم استمد العلماء والصلحاء وذو القلم معارف القرآن الكريم وتظافرت الجهود منذ عصر الأطهار عليهم السلام فألفوا الكثير من التفاسير في شتى المسارات القرآنية من التفسير والإعراب وعلوم القرآن وحتى يوم الناس هذا ، ومن أهم معالم فهم القرآن الكريم كما بسطه أهل البيت (ع) في رواياتهم الكثيرة ومنه هذه الرواية أوردها البرقي في المحاسن عن أبي الوليد البحراني ثم البحري، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أن رجلا قال له: أأنت الذي تقول ليس شئ من كتاب الله إلا معروف؟ "
قال: ليس هكذا قلت. إنما قلت: ليس شئ من كتاب الله إلا عليه دليل ناطق عن الله في كتابه مما لا يعلمه الناس... إلى أن قال: إن للقرآن ظاهراً وباطناً ومعانياً وناسخاً ومنسوخاً ومحكماً ومتشابهاً وسنناً وأمثالاً وفصلاً ووصلاً وأحرفاً وتصريفاً ، فمن زعم أن الكتاب مبهم فقد هلك وأهلك... "
ويمكن مراجعة تاريخ تفسير القرآن الكريم للوقف على البدايات والتصنيفات القرآنية في مدرسة أهل البيت (ع) وغيرها مع ملاحظة أنه لم يحظ كتاب بما حظي به القرآن العزيز من الاهتمام والعناية من لدن الأمم بكتبها .
ومما وفّق له الإخوة الأكارم الأطايب في جمعية تراتيل الفجر القرآنية بصفوى أن قدّموا للساحة القرآنية كتاباً بديعاً حمل بين طيّاته الكثير من المعارف القرآنية المتقدّمة فعرضوها بشكل أنيق وبديع ومنظّم في كتاب ( المعالم الموجزة لسور القرآن الكريم ) فكانت بصماتهم الباهرة وجهودهم المحكمة لرسالة ملهمة لكل المهتمين بالقرآن العزيز بأن بين أيديهم جهود علمية ضخمة سطّرها الأعزاء في صورة وإخراج راقيين تؤنس القارئ وتشوّقه للتدبّر في السور القرآنية للتكامل التلاوة الواعية والإقبال الروحي على القرآن ، فالمعالم لكل سورة هي الأعمدة المقوّمة للسورة وتشكّل رابط بياني يتدرّج معه القارئ ليصل إلى إحدى الغايات من كل سورة بحسب ما وصلنا لنا من تراث أهل البيت (ع) وهم أهل القرآن وخاصته والحافظين له ، حيث أن دراسة المعالم ترتكز على مقوّمات هامة منها :
الإشارة للوحدة البيانية للقرآن .
الإحاطة بظروف النص القرآني .
الاعتماد على السنة الصحيحة في التفسير.
إن من أبرز ما قدّمه هذا الكتاب البديع أن ازدان حدائقه وانتظمت جنباته المونقة بين التعريف الموجز أو البطاقة الرقمية لكل سورة ، وتصنيف السور، ومكان النزول وعلاماتها وزمانها وسبب نزولها وفضل السور وثواب قراءتها وأسماءها وخصائصها وأغراضها ومقاطع هامة من السور .
والجميل أن الإشارة للآيات الولائية في كل سورة تتوج به الكتاب مما يعزز الانتماء ويحفّز يعمّق المعرفة والمحبة والانتماء لأهل البيت (ع) ، كما أشار الكتاب لأمر هام وهو الانتفاع والاستشفاء به تداركاً الأوهام التي يروّجها البعض بعيداً عن القرآن والعترة الطاهرة .
فنحن أمام مشروع كبير قدّمه الكتاب ضمَّ بين دفتيه ما لا يستغني قارئ للقرآن يريد التكامل والعمل به ، وحقيق بكل أسرة أن تحرص على اقتناء هذا السفر الجميل والكتاب الجليل لما له من فوائد للكبير والصغير والمثقف وغيره فهو نعم الزاد للمعاد
والحمد لله أولاً وآخر وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
أقل أهل العلم حسام سعيد آل سلاط
يوم الأربعاء 11 شهر رمضان المبارك 1446هـ - المصادف 12 مارس 2025م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق