البحوث

  • المجتمع

الأربعاء، 12 يونيو 2019

شوال لا عرس ولا حوّال

إلماحة قبل البحث :
◇ البحث من الجهة التاريخية فقط وليس جدل في الخلافات الكلامية وليس إفتاء فالمكلف يرجع لفتوى مقلده في الموضوع .
◇ وهو إطلالة تاريخية وتنبيه لجوانب فقهية بما أشار لها أساطين الفقهاء أعلى الله مقامهم ، وهو نواة قابلة للنقاش وليس نتيجة نهائية .
◇ في حال صادف العقد أو الزواج ذكرى حزينة لمناسبة لآل محمد عليهم السلام وإن كانت على رواية ثابتة أو ذكرى مؤلمة فمقتضى محبة آل محمد وعشقهم تأجيل الفرحة .

*مقدمة :
يتداول على ألسنة الأمهات والآباء والجدات والأجداد قديماً من الأجيال المباركة من المؤمنين مقولة تتفاوت عباراتها وتتفق فكرتها ( شوال لا عرس ولا حوال ) أي أن شهر شوال ليس صالحاً للزواج والانتقال من بيت إلى بيت ٍ آخر ، فهل لهذه المقولة وجه شرعي أو نص معصومي ؟

  * في معنى شوال :
 ورد في الراويات الشريفة تعريف شهر شوال على اعتباره من الشهور العربية القمرية وهو شهر تُشال فيه الذنوب عن المتعبدين والمتقربين بعد انقضاء شهر رمضان الذي صرمه العبد في أنواع القربات مضافاً للصوم الذي أوجبه الله تعالى على عباده ، ففي الرواية الشريفة التي أوردها سيدنا ابن طاووس في كتابه اقبال الإعمال نقلاً عن  كتاب ( دستور المذكرين ومنشور المتعبدين ) باسناده المتصل فقال: قيل للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله ما شهر رمضان
 - أما رمضان؟ قال: أرمض الله تعالى فيه ذنوب المؤمنين وغفرها لهم، قيل: يا رسول الله فشوال؟ قال: شالت فيه ذنوبهم فلم يبق فيه ذنب إلا غفره.   راجع إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس - ج ٢ - الصفحة ١٤

 * في أصل حكم التزويج :
الزواج في نفسه وبالنظر إلى طبيعته مستحب كما نص عليه الفقهاء ، قال صاحب العروة : النكاح مستحب في حد نفسه بالإجماع والكتاب والسنة المستفيضة بل المتواترة ،  ولكن بالنظر لعوارضه ينقسم إلى الأحكام التكليفية الخمسة فقد يكون واجباً إن توقف عليه حفظ دينه ، وقد يكون حراماً إن أدى لترك شيءِ من الواجبات أو فعل شيءِ من المحرمات ، قال صاحب العروة الوثقى طاب ثراه : قد يجب بالنذر  أو العهد أو الحلف وفيما إذا كان مقدمة لواجب مطلق أو كان في تركه مظنة الضرر أو الوقوع في الزناء أو محرم آخر، وقد يحرم كما إذا أفضى إلى الإخلال بواجب من تحصيل علم واجب أو ترك حق من الحقوق الواجبة وكالزيادة على الأربع  ، وقد يكره كما إذا كان فعله موجبا للوقوع في مكروه، وقد يكون مباحا كما إذا كان في تركه مصلحة معارضة لمصلحة فعله مساوية  لها. العروة الوثقى - السيد اليزدي - ج ٥ - الصفحة ٤٧٤ -٤٧٧-٤٧٨ .

 *هل للزواج شهر خاص* ؟
 لم ينص فقهاء الإمامية على شهر معين في إيقاع النكاح ، نعم نصوا على كراهة بعض الأيام للعقد منها أيام استشهاد النبي وعترته الطاهرين (ع) فمما أفتى به السيد السيستاني دامت بركاته : ينبغي أن لا ينفذ في أيام مصائب أهل البيت (عليهم السلام) وحزنهم ما لا يوقعه الإنسان عادة في أيام حزنه ومصابه بأحبائه إلاّ ما اقتضته الضرورة العرفية فيختار وقتاً أبعد عن المساس بمقتضيات العزاء والحزن والله الموفق - الموقع .

 منها ما ذكره الفقهاء في تعليقاتهم على العروة الوثقى :
(مسألة): يكره عند التزويج أمور: منها:
 إيقاع العقد والقمر في العقرب، أي في برجها لا المنازل المنسوبة إليها وهي: القلب والإكليل والزبانا والشولة.
 ومنها: إيقاعه يوم الأربعاء.
ومنها: إيقاعه في أحد الأيام المنحوسة في الشهر وهي الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون.
 ومنها: إيقاعه في محاق الشهر وهو الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر. كتاب العروة الوثقى - السيد اليزدي - ج ٥ - الصفحة ٤٧٨ .

نعم ذهب عامة المسلمين لاستحباب إيقاع الزواج في شهر شوال استناداً لرواية مشهورة في المجاميع الحديثية عندهم ، نذكر الرواية لاحقاً بعون الله تعالى .

 * هل تزوج النبي (ص) في شوال ؟
نعم فقد أورد علماء الإمامية والعامة روايات في أن النبي صلى الله عليه وآله قد بنى ببعض زوجاته في شهر شوال وإليك بعض تلك الروايات :

 - عند الإمامية :
 فقد أفرد بعض الأعلام كالحر العاملي في الوسائل والسيد البروجردي طاب ثراهما في جامع أحاديث الشيعة باباً بعنوان عدم كراهة التزويج في شوال أورد فيه حديثين :
 1- وروى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: وسئل عن التزويج في شوال؟ فقال: إن النبي صلى الله عليه وآله تزوج عائشة في شوال، وقال:  ( إنما كره ذلك في شوال أهل الزمن الأول، وذلك أن الطاعون كان يقع فيهم في الأبكار والمملكات فيه فكرهوه لذلك لا لغيره ) . الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - الصفحة ٥٦٣ وسنبين معنى الرواية لاحقاً بعون الله تعالى .
2- روي ان أمير المؤمنين عليه السلام دخل بفاطمة عليها السلام بعد وفاة أختها رقية زوجة عثمان بستة عشر يوماً وذلك بعد رجوعه من بدر وذلك لأيام خلت من شوال .
3- روي أن أمير المؤمنين عليه السلام دخل بالزهراء عليها السلام يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة والله تعالى أعلم. راجع وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٤٠ .

 - أما عند عامة المسلين :
 1- الزواج بعائشة : روى الدارمي في سننه قال : (أخبرنا) عبيد الله بن موسى عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن عبد الله ابن عروة عن عروة عن عائشة قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وأدخلت عليه في شوال فأي نسائه كان أحظى عنده مني قالت وكانت تستحب أن يدخل على النساء في شوال . سنن الدارمي - عبد الله بن بهرام الدارمي - ج ٢ - الصفحة ١٤٥
صاحب المحبر البغدادي بقوله : وتزوج بها صلى الله عليه وسلم في شوال وبنى بها في شوال. كتاب المحبر - محمد بن حبيب البغدادي - الصفحة ٨٥

2- الزواج بأم سلمى : فقدقال ابن عبد البر: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة سنة اثنين من الهجرة بدر، عقد عليها في شوال وابتلى في شوال . الإستيعاب : ٤ / ٤٠٥، ٤٣٦ .

واسمها هند بنت أبي أمية واسمه سهيل زاد الركب بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة الطعان بن فراس بن غتم بن مالك بن كنانة. تزوجها أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد وهاجر بها إلى أرض الحبشة في الهجرتين جميعا فولدت له هناك زينب ابنة أبي سلمة وولدت له بعد ذلك سلمة وعمر ودرة بني أبي سلمة.  الطبقات الكبرى (٨ / ٨٦) .

 وأيضا أورد ابن الأثير في كتابه أسد الغابة قال :  أم سلمى)  بنت أبي أمية حيث قال : أخبرنا أبو موسى أذنا أخبرنا أبو سعد محمد بن علي الكاتب وأبو علي الحسن بن أحمد قالا حدثنا أبو منصور عبد الرزاق بن أحمد أخبرنا عبد الله بن محمد أبو الشيخ حدثنا زكريا الساجي أخبرنا محمد بن الحارث بن مدلج المخزومي عن عمرو بن عثمان بن سهل بن أبي حثمة قال سمعت أم سلمى ابنة أبى أمية قالت  : (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وبنى في شوال ) أسد الغابة - ابن الأثير - ج ٥ - الصفحة ٥٩٠ .

 *أصل كراهة الزواج في شوال* :
العرب لهم تراثهم اللفظي والتاريخي الذي يعتزون به كالشعر وأيام العرب والأمثال المستندة لحوادث ، ويتميّز العرب بالحافظة وما المعلقات السبع والتاريخ أيامهم بخافية على مطلع ، وربما جرت الأمثلة جرياً على الألسن تبعاً لما رأوه وخبروه ، وبعض الأمثلة ربما جاءت مخالفة لمعتقد الوحدانية والقيومية لله تعالى على الوجود ، أو إساءة ظن ٍ به تعالى ، فقد أُبتلي العرب بهلاك أنعامهم التي يعتزون بها ويعدونها من أعظم الثروات في بعض أيام السنة ، وربما صادف ذلك دخول فصل من فصول السنة كالحر وانتشار الأوبة فكانوا يتشائمون لذلك ويرون مقدم تلك الأيام مؤذن بتلف أموالهم وهلاك أنعامهم وغمِ يطبق عليهم في ترحالهم وأعراسهم واجتماعهم لذا ربما تواصوا بينهم - وهم أصحاب التجمعات المحدودة والثقافة الواحدة - بأن لا يتنقلوا لأماكن أخرى عند دخول شهر شوال لتتابع هلاك النعم والبشر في سنين متتابعة فسنّوا هذا المثل ( شوال لا عرس ولا حوّال ) لأن في اجتماع الناس مع انتشار الأمراض المعدية المهلكة تعجيل بهلاك آخرين وجعلوه سنة جارية لا يخالفها أحد في ظل نظام قبلي ومجتمع فيه الزعيم والأتباع المطيعين إلا من شذ .

ولذا ذكر عياض من علماء العامة: كانت العرب تكره أن يتزوج في شوال وتطير به، لقولهم: شالت نعامتهم، وشالت النوق بأذنابها، وقال القرطبي: تطيروا بذلك، لأن شوال من الشول وهو الرفع والإزالة، ومنه شالت الناقة بأذنابها، أي رفعت، وقد جعلوه كناية عن الهلاك، فإذا قالوا: شالت نعامتهم فمعناه هلكوا عن آخرهم، فكانوا يتوهمون أن المتزوجين فيه يقع بينهم البغضاء وترتفع خطوبها من عين الزوج، وقد جاء الشرع بنفي هذا التطير (مرآة العقول، ج ٢٠ ص ٤١٧).

وأيضاً بيان في التهذيب: (ففي الأبكار والمملكات من الأملاك)، بمعنى التزويج، أي قريبات العهد بالتزويج، يعني أن الطاعون كان يقع فيهم في شوال (الوافي كتاب النكاح، ص ٦٠).

 وقالت الرواية :  انما كره ذلك في شوال أهل الزمن الأول وذلك أن الطاعون كان  يقع فيهم في الأبكار والمملكات فكرهوه لذلك لا لغيره.

* هل ثبت استحباب أم كراهة الزواج في شوال ؟
 لم يثبت عند الإمامية استحباب ولا كراهة الزواج في شوال سوى ما تعارف عليه العرب نتيجة تشاؤمهم من الاجتماع فيه في الزواج الذي صادف وقوع الأوئبة والأمراض المعدية الذي أورثهم الفقد للنعم والأبكار .
نعم ربما لعلة غير معلومة كرهه الناس خصوصا وأساطين العلم في مناطقنا على امتداد القرون بمرأى ومسمع من تداول الكلمة وتطبيقها .

 - من الذي شجّع وحبب التزويج فيه ؟
 جواب ذلك ما قاله ابن عبد البر في كتاب " الاستيعاب ": كانت عائشة تحب أن تدخل النساء من أهلها وأحبتها في شوال على أزواجهن، وتقول هل كان في نسائه أحظى عنده مني وقد نكحني وبنى على في شوال . راجع كتاب الاستيعاب 474.

وعلّق ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة على العبارة السابقة التي أرودها صاحب الاستيعاب فقال : قلت قرئ هذا الكلام على بعض الناس، فقال كيف رأت الحال بينها وبين أحمائها وأهل بيت زوجها.  لاحظ شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٤ - الصفحة ٢٢ .

 تزوجها في شوال، وأعرس بها بالمدينة في شوال، على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره إلى المدينة . راجع كتاب الاستيعاب ٤٧٤.

وكان ذلك في اليوم الثاني: وفيه عقد عائشة تزوجها بمكة، وهي بنت سبع سنين، ودخل بها وهي بنت تسع بعد سبعة أشهر من مقدمه المدينة، مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج ٦ - الصفحة ٦٥
 - لو ثبت الاستحباب في شوال لثبت استحباب غيره : 
عمل النبي (ص) تارة ً ينظر إليه على أنه في مقام التشريع والبيان وهنا لابد أن يبيّن ذلك للناس بما لا يُتوهم معه معنى غيرَ مراده بأنه يحب هذا العمل ويرغب في أن يأتي به الناس أو يكره أو يحرمه ، وتارةً هو في مقام ممارسة عمل مباح من احتياجاته فلا يمكن حمل العمل على الوجوب أو الاستحباب مع عدم تصريحه صلى الله عليه وآله بذلك ، فلو جاز حمل زواجه صلى الله عليه وآله في شهر شوال على الاستحباب لجاز حمل غيره من الشهور على ذلك لكونه صلى الله عليه وآله تزوج في غيره من الشهور أيضاً وكلهن أمهات المؤمنين ، فما بالك بالسيدة خديجة عليها السلام التي أطراها النبي (ص) بما لا مزيد عليه من التفضيل والاعتزاز لما لها من مواقف عظيمة وكونها أم سيدة نساء العالمين جميعاً الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام ، ولم يثبت استحباب الزواج في شهر ربيع الأول لكونه معرس رسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه تزوج فيه والمقدمة العقليّة المطويّة تقول: حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحدٌ فلو ثبت الاستحباب في شوال لثبت في غيره من الشهور لأنه تزوج بعدة زواجات في أشهر أخرى .
مضافا إلى أن المعصوم عليه السلام قد يأتي بالمكروه لنفي حرمة الفعل من الأذهان أو ترك المستحب في مقام بيان عدم وجوبه ، وقد يجيب في ظرف مخوف تقية درأ للأفسد والبحث في ذلك موكول للبحوث العليا التفصيلية للعلماء أعلى الله برهانهم .
■ ذكر لي أحد الأحبة من الفضلاء الأجلاء أنه رأى بقلم المقدس المرحوم الحجة الشيخ حسين القديحي على بعض أوراقه طاب ثراه أن عبارة (شوال لا عرس ولا حوال ) من المشهورات التي لا أصل لها ولكنه قدس سره ألمح لعلة محتملة استقربها وبيانها يضيق بالمقام ومحدودية البحث .

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ،،،
أقل الطلبة / حسام آل سلاط - القطيف الأربعاء الثامن من شوال من عام 1440 هـ .

هناك تعليق واحد: