البحوث

  • المجتمع

الأحد، 9 يونيو 2024

🔅أثر الاسم على المتسمي به


بسم الله الرحمن الرحيم 

🔅أثر الاسم على المتسمي به

 🔸مقدمة :

يعتبر الاسم من الأمور التي لا يمكن الاستغناء عنها , أو فصلها عن الأشياء , وهي أما أن تعيّن من قبل شخص بوضع اللفظ على المعنى , أو تتعين بالاستعمال أي أن اللفظ إن استعمل في معنى ومضى عليه زمان يتعين في ذلك المعنى .
ومما لا جدال فيها أن لكل شيء اسم يخصه , ولا يوجد شيء  بلا اسم , بل يتعجب المرء إن رأى شيئا مجرداً عن أي اسم , ومن هنا نرى الحرص على تسمية الأشياء بأسمائها لأنها تعكس صورته في ذهن السامع بمجرد سماع الاسم .
ومن الأسماء التي لا يمكن أن تنفصل أسماء الإنسان , فلكل إنسان اسم يخصه ويعود إليه , حتى أنك تستنكر على من لا اسم له بقولك : كيف تكون بلا اسم , فهل يؤثر الاسم  على صاحبه ؟

هذه المسألة تحتاج إلى بحث يشتمل على الجوانب النفسية والاجتماعية والروحية والروائية لنستخلص الحقيقة وندركها تماماً .

✒وقد طُلب مني أن أكتب بحثاً حول هذا الموضوع ولكن لضيق الفترة المحددة وكثرة الانشغالات أطرح عدة نقاط آملاً معاودة البحث بشكل أعمق .

💡الاسم في اللغة :

عرّفه الزمخشري في " المفصل " : الاسم ما دل على معنى في نفسه دلالة مجردة عن الاقتران .

أي عندما نطلق الاسم على شيء تنطبع صورة ذلك الشيء في الذهن , ولا حاجة إلى القرينة الكاشفة عن حقيقة المسمى , بل يتبادر إلى الذهن مباشرة , هذا تعريف من تعريفات الاسم وعليه اعتراضات نعرض عنها لعدم مناسبة المقام.
 وعرّفه ابن الحاجب : " بأنه ما دل على معنى في نفسه " . 


💡جهة تأثير الاسم
أثر الاسم كأثر الرائحة المنتشرة في مكان إن كانت طيبة طيبت المكان وإن كان غير طيبة أفسدت رائحة المكان , فالعطر الطيب يؤثر وتعلق رائحته في الأشياء ولو كان العطر قليل أو رائحته ضعيفة , وإن كانت قوية أنعشت المكان.

والاسم لا يقل أثراً عن النفس بل النفس أكثر تؤثراً من الأماكن لأنها حساسة جداً تتأثر بكل ما حولها فكيف لو كان الاسم يدل على نفس الإنسان .

والبشر يفرحهم الاسم الجميل ويسعدهم جداً , وهذا طبع البشر , والتاريخ مليء بالكثير من القصص والحوادث التي تدل على تفاؤلهم بالأسماء الجميلة من ذلك مثلاً :
 فقد النبي محمّد صلّى الله عليه وآله أمه في أيام رضاعه ، ولم يقبل ثدي مرضعة قط ، وكان هذا مبعث حزن وألم في البيت الهاشمي... إلى أن جاءت حليمة السعدية فعرضت ثديها عليه فقبله وتكفلت برضاعه ، عندئذ عم البيت السرور والفرح إلى أقصى حد فقال عبد المطلب مخاطباً إياها.
 ـ من أين أنتِ ؟ 
 قالت : امرأة من بني سعد. 
 قال : ما اسمك ؟ 
 قالت : حليمة. 
 قال : بخ بخ ، خُلقان حسنتان... سعدٌ وحلم (1) .


🔑وأما جهة تأثير الاسم على صاحبه فهو من جهات متعددة : 
الجهة النفسية .
الجهة الذهنية .
الجهة الروحية. 

أما من الجهة النفسية :
من المعروف أن الإنسان يتأثر بما يسمع من الآخرين فالكلام الطيب يعكس أثراً طيباً على النفس والعكس كذلك ,
فلو سمع الإنسان كلاماً طيباً لطيفاً من شخص آخر ألا يتأثر به ؟ 
بالتأكيد فالنفس البشرية بغض النظر عن دينها واعتقادها تتأثر بالكلام وترتب عليه الأثر , فقد يتأثر إنسان بكلمة واحدة فقط وتغير مسير حياته   وتبدل معتقداته ونمط تفكيره , إذن نحن لا ننكر أثر الكلام على الحالة النفسية للإنسان , فالحوادث الكثيرة التي تعج بها الصحافة المحلية والعربية والاجنبية تثبت صحة هذه المقولة بأن الإنسان شاء أو أبى يتأثر بما يسمع سلباً أو إيجاباً.

وكما يقول أحد الكُتّاب : (  فكما أن الهندام غير المتزن ، والأعضاء الناقصة ، والمنظر الكريه سبب للشعور بالحقارة ، ويؤدي ذلك غالباً إلى نشوء عقدة نفسية ، كذلك الاسم القبيح واللقب الكريه ، والنسبة المستهجنة فإن ذلك كله يدعو إلى نشوء عقدة الحقارة.
 ولو فرضنا أن 99% من أفراد المجتمع كانوا خليقين متزنين لا يجرحون عواطف هؤلاء ولا يحتقرونهم ، فإن الـ 1% الباقية لم تربّ تربية حسنة تكفي في إيذائهم بالاستهزاء والإهانة ).

فالكلام القبيح يؤذي النفس البشرية ويجعلها تدخل في حالات تتفاوت من شخص إلى آخر , والكلام الجميل ينعش النفس الإنسانية ويسعدها ولو للحظة .

فإذن الجهة النفسية لا يمكن إنكار تأثرها إطلاقاً بكلمة عابرة فكيف باسم  الإنسان الذي يتكرر كل يوم على مسامع صاحبه , ألا تنطبع إنطباعات على صاحبه بحسب نوع الاسم ؟ ! 

فأثر الإسم إن كان قابلاً للسخرية والاستهزاء على نفسية الطفل أنه قد يخلق عنده عقدة بالحقارة تلازمه حتى يكبر وتتضخم مع الأيام إن لم تجد لها العلاج الناجع .
وأما عقدة الحقارة فتشمل أموراً كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر ما يذهب له بعض الباحثين من المختصين في علم النفس بقول بعضهم : 
« تشمل عقدة الحقارة جميع المظاهر التي ظهر بها عدم الاعتماد على النفس ، والشعور بضعف الشخصية ، وعدم الكفاءة ، وفقدان الإرادة. 
إن الطفل الذي يبتلى بالشعور بالحقارة عندما يشب يلزم سيرة الوحدة والانزواء أو لا أقل من أن يوجد عنده الشعور بالغربة والابتعاد عن أقرانه ، لأن الوقائع والحوادث في دور الطفولة أفهمته أن الألفة والاجتماع مع الغير هو الذي جلب له السخرية والانتفاد.
 إن الذي يتجنب أقاربه وأترابه يقودنا إلى أنه معذّب من الشعور بحقارة وجدت فيه من تجاربه في الطفولة. 
ولهذا ـ وبناء على قواعد علم النفس ـ فإن كل حادثة تضعف أو تعدم عزة النفس عند الإنسان ، وتقلّل من طموحه عامل مهم لتوسعة ( عقدة الحقارة ) وتقويتها ووسيلة لجعله بين الأعضاء المختلين وضعاف النفوس في المجتمع».

فهل بعد هذا البيان بيان ؟ 

الجهة الذهنية :
تعريف العقل كما يعرفه الراغب الأصفهاني كتابه ( المفردات ) في مادة ( عقل ) : ( العقل : يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان ) .
فذهن الإنسان الذي يقوم بقبول العلم ويستفيده يخضع لعوامل تؤثر عليه سلباً وإيجاباً , والمتابعون والدارسون لحالات الإنسان يؤكدون على أن هنالك تلازم بين ما يسمعه من كلام وطبيعة تفكيره , فما يسمعه من كلام ينطبع على تفكير الإنسان .
فلو كان الأب ينادي ابنه طوال الوقت ( أنت غبي ) فإن ذلك ينعكس مع الأيام على ذهن وتفكير الولد , فقد اثبتت الدراسات التربوية أن للكلام أثر كبير جداً .
 هل جميعنا يعلم أهمية البذور التي نزرعها في عقول أبنائنا إنها العبارات والكلمات التي يتلقاها أبناؤنا؟ تلك البذور التي سوف تنمو وتشكل الصورة الذاتية التي يحملها الطفل لنفسه والتي سوف تشكل في نهاية المطاف جزءاً من شخصيته.

فالعديد من العبارات نسمعها داخل الملايين من البيوت تجاه أطفالهم: «أنت كسول» «أنت شديد الأنانية» «أنت غبيٌ» «أنت ميؤسٌ منك» «أنت إنسان سيئ مثل فلان تماماً» إن مثل هذه العبارات تسري في نفس الطفل كالتنويم المغناطيسي وتتحكم في تصرفاته لا شعورياً .

وقد ذكر العلماء على صعيد الأثر الذهني عدة أمور منها :
أن العقل يتذكر كل ما يحدث، فقد دعمت الأبحاث أن كل شيء، كل مشهد، كل صوت، كل كلمة، تختزن داخل عقل الإنسان إلى الأبد، مصحوباً بالأحاسيس بالرغم من أننا قد نجد صعوبة في التذكر، ولكن الذكريات موجودة وتؤثر على حياتنا.

السمع اللا شعوري:
فقد اكتشف العلماء أن السمع يتكون من جزئين، الأول: ما تلتقطه أذنك، والثاني ما تنتبه إليه بشكل واع.
لأن هناك أدلة تشير إلى أن الأصوات والعبارات يتم حفظها حتى أثناء الأحلام والنوم . لذلك علينا أن نراقب جيداً ما نقوله عن أطفا لنا ، لأن الطفل يستطيع حتى قبل أن يتحدث بشهور أن يتابع أغلب حديثك، لذلك علينا أن نشرع في استخدام هذه القناة كي تدعمهم لا كي تحبطهم .

فكيف إن كان ذلك الكلام هو اسمه الذي يرافقه أينما حل وارتحل , تنطبع في ذاكرته وعلى عقله .
فسمع الإنسان أسبق من رؤيته , وهو سريع التأثير عليه , فاختزان الأسماء والكلمات في الذاكرة تبقى إلى الأبد معه يستحضرها مع الأيام والأحداث .

الجهة الروحية : 
مما لا ريب فيه أن الأسماء لا تعدو كونها مجرد ألفاظ وإن كانت حسنة وجميلة وهي لوحدها غير كافية في سعادة الإنسان , والمقصود من الروايات هو أن للأسماء الحسنة آثار إيجابية في النفس والمجتمع بحيث  يمكن للمتسمي بها السمو إلى أخلاق النبي والأئمة (ع) وتمهيد طريقه إلى الجنة .

والنكتة المستنبطة في التسمية هي أن اسم كل شخص وبأي معنى كان يجدد للشخص نفسه – بالاستعمال المكرر – ذكريات خاصة , ولا يخلو ذلك من فائدة قد تنعكس على سعادته أو شقاوته .

ولا شك أن لكل فعل وتصرف واسم أثر على الروح , فالاسم الحسن يؤثر أثراً حسناً على روح صاحبه والأدلة على ذلك كثيرة من خلال روايات آل محمد (ع) من ذلك مثلاً ما يرويه أبو هارون وهو من أصحاب الصادق (ع) :  

🌴روى محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي هارون مولى آل جعدة قال : كنت جليسا لأبي عبد الله عليه السلام بالمدينة ففقدني أياما ثم إني جئت إليه فقال لي : لم أرك منذ أيام يا أبا هارون ، فقلت : ولد لي غلام ، فقال : بارك الله فيه فما سميته ؟ قلت : سميته محمدا قال : فأقبل بخده نحو الأرض وهو يقول : ( محمد محمد محمد حتى كاد يلصق خده بالأرض ثم قال : بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبوي وبأهل الأرض كلهم جميعا الفداء لرسول الله صلى الله عليه وآله ، لا تسبه ولا تضربه ولا تسئ إليه ، واعلم أنه ليس في الأرض دار فيها اسم محمد ، إلا وهي تقدس كل يوم ، ثم قال لي : عققت عنه قال : فأمسكت قال : وقد رآني حيث أمسكت ظن أني لم أفعل فقال : يا مصادف ادن مني ، فوالله ما علمت ما قال له إلا أني ظننت أنه قد أمر لي بشيء فذهبت لأقوم فقال لي : كما أنت يا أبا هارون  فجاءني مصادف بثلاثة دنانير ، فوضعها في يدي فقال : يا أبا هارون اذهب فاشتر كبشين واستسمنهما   وأذبحهما وكل وأطعم ).

✅ فتأمل الرواية جيداً تجدها مليئة بالكثير من الدروس التربوية والروحية من حيث كيفية التعامل معه , وتشجيع الإمام المعصوم بعد النبي (ع) على الاسم الحسن الجميل وعلى الأخص الأسماء المطهرة المباركة , وكيف يتعامل الإنسان مع صاحبها للنهوض بالجانب النفسي والروحي والذهني لخلق أشخاص يحملون الروح النقية التي ترتقي بالمجتمع من خلال الفرد . 

فاستحضار صاحب الاسم ذكريات المسمى الأساسي ينعكس عليه , لذا يستحب التسمي باسم محمد وعلي وآل محمد (ع) ويكره التسمي بأسماء أعداء الله ورسوله (ص) من ذلك ما رواه سعيد بن المسيب عن عمر عن الخطاب قال : ولد لاخى ام سلمة - زوج النبى صلى الله عليه ( وآله ) وسلم - غلام فسموه الوليد ، فقال النبى صلى الله عليه ( وآله ) وسلم : سميتموه باسم فراعنتكم في هذه الامة رجل يقال له الوليد ، هو شر على هذه الامة من فرعون  لقومه ) .

ومن جهة ثانية فإن أشرف الخلق محمد وآله (ص) قد اختار الله تعالى لهم أسمائهم , وهم علة الوجود , فلو كان أفضل خلق الله تعالى تليق بهم أسماء تناسب مقامهم لسماهم بها الله سبحانه .

🔹فكما نعرف أن الاسم له أثر على روح الإنسان فإن الاسم الكامل له أثر كبير على روح المرء , لذا فاختيار أسماء آل محمد (ص) له أثر واضح على هذا الإنسان , والروايات متظافرة في هذا المجال .

🔻وفي الختام ونظراً لطلب الأخوات بكتابة مقال في هذا المجال في وقت سريع نقتصر على هذا المقدار على أمل مواصلة البحث والتوسع فيه في وقت لاحق والسلام . 

🔵 بحث لسماحة الشيخ حسام آل سلاط تم نشره قبل سنوات في إحدى مجلات المنطقة  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق