كلمة الجمعة 18 جمادى الأولى 1440
قال تعالى : ( وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍۢ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )
* الأماني :
كثير من الناس يتمنى أموراً قد تكون مجرد خواطر وبعد مدة من الزمن تضحي تاريخ من الخواطر ، إذن لا يكفي أن يتمنى الإنسان بل أن يسعى لتحويل أمانيه إلى حقيقة عبر التخطيط والإعداد الحقيقي وإلا فلن يكون لتلك الأماني نصيب من الظهور في عالم الوجود بل في عقل صاحب الأمنية .
إن إيجاد الذرية الطبية يتوقف على عدة مقومات منها أن يكون الوالدان ساعيين لرضا الله تعالى وتحقيق العبودية ، وفي هذا الزمن الذي اختلطت فيه المفاهيم وأريد للعالم أن يعيش نمطية واحدة هي ( العولمة ) بما تحمل من فكر مادي يحارب الدين ويسعى لمحو معالمه أصبحت التربية أكثر صعوبة نظراً لأن المؤثرات فرضت نفسها وحضورها ولكن تبقى إرادة الوالدين ونمط تنشئتهم هي الأمر الأساسي مع توفيق الله تعالى لإيجاد الذرية الطيبة الصالحة الممهدة لنصرة صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه .
*مسؤولية صعبة :
تعد التربيّة من المسؤوليات التي تقع على عاتق الوالدين، وهي من المسؤوليات الصعبة والتي تحتاج إلى الكثير من الجهد والصبر، فالأطفال هم جيل المستقبل وبالتالي كل ما يُغرَس في نفوسهم من خلال التربيّة يعد من الأمور التي تؤثِّر في حياتهم مستقبلاً، وتتعدد الوسائِل التي يمكن اتباعها من أجل الوصول إلى الغاية العظمى منها، فما هي وسائل التربيّة؟؟
تُعرّف التربية على أنها ( علم إنساني متطور , يقوم على أصول وقوانين وتجارب تنمي السلوك الإنساني وتضبطــــه) .
* مراحل التربية موضوعياً :
تمم عملية التنشئة على مراحل متكاملة ومتوازية ..
المرحلة الأولى :
التي يتعلم فيها الطفل أول أساليب التعامل والعلاقات في الحياة , وتتم داخل المنزل
المرحلة الثانية :
ومنها تتشعب دائرة علاقاته وتعامله عندما يخرج من المنزل ليختلط بأطفال آخرين وتتسع علاقاته ..
المرحلة الثالثة :
حينما يدخل المدرسة ويجد فيها نوعاً آخر من الأطفال ..
المرحلة الرابعة والأخيرة :
عندما ينهي الفرد حياته الدراسية .. وتبدأ حياته المهنية أو العملية ..
* مناهج ناجعة :
للتربية الصالحة عدة مناهج يمكن التنويع بينها حسب القابلية والظروف منها :
1- التربية بالحب :
إن الطفل الذي يتلقى مقدارا كافيا من العطف والحنان من أبويه، ويروى من ينبوع الحب يملك روحا غضة ونشطة. انه لا يحس بالحرمان في باطنه ولا يصاب بالعقد النفسية ، تتفتح أزاهير الفضائل في قلبه بسهولة وإذا لم تعتوره العراقيل في أثناء طريقه فإنه ينشأ إنسانا عطوفا وفاضلا يكن الخير والصلاح للجميع لقد ورد التأكيد على العطف على الصغار في الأحاديث بصورة كثيرة وها نحن نقرأ بعضا منها :
عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، في خطبة له حول واجبات المسلمين في شهر رمضان: «وقروا كباركم وارحموا صغاركم» عيون أخبار الرضا ص 163 .
- وعنه صلى الله عليه وآله: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا» مجموعة ورام ج 1 ص 34 .
- في ما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام عند وفاته: «وارحم من أهلك الصغير ووقر الكبير» بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 16 ص 154 .
- عن علي عليه السلام: «ليتأس صغيركم بكبيركم، وليرأف كبيركم بصغيركم، ولا تكونوا كجفاة الجاهلية» نهج البلاغة شرح الفيض الأصفهاني ص 531 .
- وعن الإمام الصادق عليه السلام: ( إن الله عز وجل ليرحم الرجل لشدة حبه لولده) مكارم الأخلاق للطبرسي ص 113.
2- تنمية مواهب الطفل:
يتولد الطفل من أمه وهو يملك موهبة التكلم، والتفكير. ولأجل التنمية الصحيحة لهاتين الموهبتين يجب التزام منهجين كاملين:
-أحدهما المنهج الطبيعي.
- والآخر المنهج التربوي.
أما في النهج الطبيعي فلا بد من كون جميع عوامل نمو الطفل سالمة حتى يستطيع اللسان والمخ من مواصلة سيرهما التكاملي في ظل نشاطات تلك العوامل، وبذلك تتفتح المواهب الكامنة وتخرج إلى حيز الوجود ، فإن توقف اللسان أو المخ عن النمو على أثر مرض أو علة أخرى فإن الطفل يبقى أبكم وغير قادر على التفكير.
كذلك الاستعداد للنشاط الجنسي موجود في الطفل منذ البداية ، ولا بد من وجود عوامل طبيعية تنمي هذه الغريزة طبقا لسنن الخلقة، وتخرجها إلى حيز الوجود بالتدريج. كما انه لا بد من عوامل تربوية تقود تلك الغريزة نحو الطريق الصحيح وتحفظها بمنجى عن الانحراف والفساد.
إن الأبوين الفاقدين للعفة، واللذين لا يتورعان عن التكلم بالعبارات البذيئة أمام طفلهما، أو يرتكبان الأفعال المنافية للعفة أمامه بوقاحة، يقودانه نحو الانحراف والفساد، ويعودانه على الاستهتار واللامبالاة منذ الصغر.
الانسجام بين التربية والطبيعة:
إن القاعدة الأساسية في التربية الصحيحة عبارة عن الانسجام التام بين المناهج التربوية والقوانين الطبيعية ، على الآباء والأمهات أن يسيروا حسب قوانين الفطرة في تربية أطفالهم خطوة خطوة ويربوا الطفل على الأسس .
*هل الحرمان ينفع في زمان العولمة ؟
لكيلا يصاب الأطفال بالانحراف الجنسي، بل ينشأوا على العفة والنزاهة، يجب على الآباء والأمهات أن يخضعوا أطفالهم إلى رقابة واعية بواسطة منهاج تربوي سليم يتماشى والمنهاج الفطري... وبذلك يستطيعون أن يقودوهم نحو الطريق المستقيم المؤدي إلى السعادة والفلاح.
* نحن وتربيتنا في زمن العولمة :
1- الحرمان : طريق وإن نفع في فترة إلا أنه لا ينفع في زمان آخر إذا انفتح على عالم جديد عليه وقد كبر وتفتحت غرائزه فقد يندفع نحو تلك الأمور دون تروّي لأن الإنسان حريص على ما مُنع .
2-الاستسلام والتسليم : بأن طاقاتنا أضعف من أن نواجه بها سيل الفكر والمنهج العولمي فلهذا لا نراقب الأبناء والبنات ولا نتابعهم وأنهم أصبحوا بالغين ولديهم عقول ويمكنهم التمييز بين الجيد من الرديء ، فنستلسم للجو العام إن رأينا لباس أبناءنا وبناتنا لا يتماشى مع ثقافتنا وقيمنا فهو مجرد لباس لن يقدّم ولن يؤخر ، والحقيقة أن التغيير الظاهري سيكون متبوعاً بتغيير منهجي ونتيجة لتأثر فكري .
3- التربية المسؤولة :
وهي التي تنطلق من حس المسؤولية أمام الله تعالى ولا تغفل بحجة أن الولد والبنت بالغان أو أنهما في موضع الثقة فقد يزل العاقل أمام الإغراء ، فمتى ما شعر الأب أو الأم بأن سلوك ابنهم أو ابنتهم قد تغيّر فلهما بل عليهما أن لا يغفلا فالغفلة تقود إلى الندم في زمن لا ينفع الندم .
فنحن في عصر تثوير الشهوات وشرعنة الفساد على المستوى العالمي الذي يريد أن يخوض العالم الإسلامي غمار الرذيلة بألبسة فضفاضة وتسميات تدغدغ المشاعر وتغري الجاهل والغافل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
* التشجيع على آداب الدين :
من أمثلة التشجيع المعصومي (ع) النشئ على العمل الآداب , خبر السكوني (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " عطس غلام لم يبلغ الحلم عند النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: الحمد لله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): بارك الله فيك " وقد يقال: إنه لم يرد به التسميت بل الدعاء للغلام حيث أنه حمد الله بعد العطاس. – الوسائل - الباب - 62 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 2 من كتاب الحج .
- عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام)، قال: جاء رجلان إلى النبي (صلى الله عليه وآله) شيخ وشاب، فتكلم الشاب قبل الشيخ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): الكبير الكبير ) مستدرك الوسائل: ٨ / ٣٩٣ / ٩٧٧٣.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق