تحبون الناصحين ؟
كلمة الجمعة 22 رجب 1440
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي
دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ
لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا
تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
الإنسان بين الاجتماع والفردانية : -
الإنسان كائن
اجتماعي بفطرته، فهو يؤثر ويتأثر بالمحيط ، فالذات الإنسانية كذلك ليست معطى، فهي
كيان يتم انتاجه بمجموعة معقدة من المتغيرات التي الي ساهمت في صياغة ملامح هذا
الكيان، والتي بالطبع ستنعكس على الممارسة السلوكية لدى الشخص .
إن كان المدخل الأولي قيم فردية واستقلالية
في اتخاذ السلوك الشخصي بمنأى عن أي مؤثر خارجي فإن المخرج الواضح في سلوك الشخصية
يتسم بالاستقلالية وغريزة التفرد.
والعكس كذلك صحيحاً فإن المدخل الجماعي الأول
والوعي بالمحيط البيئي بكل تغيراته ستنتج بالضرورة منتج نهائي معتمد على البيئة
المجتمعية وغير استقلالي ومتسق مع التصور العام الجماعي في انتهاج سلوك محدد .
عراك قائم
: -
إن العراك
الفكري الإنساني بين كيانين متناقضين يسهمن في انتاج الذات الإنسانية هما الفكر
الفرداني والفكر والجمعي يعمل على ابراز إشكالية في تحديد هوية الذات. هل الذات
تُنتج ضمن اطارها الانفرادي التام الذي يستقل تماماً عن التوجه الجمعي
والمتقاسم للسمات الجماعية التي تتميز بها الجماعات الإنسانية المختلفة، ام ان
هوية الذات تتجسد في اطارها الجماعي الذي يضمن تفاعلها في محيط هي تعتبر جزء أصيل
في تشكيله. وبالتالي فإن الخطاب الجمعي الذي يصنعها إنما هو محيط إيجابي يسعى الى
تنمية الذات وتنقيحها وتهيئتها لتصبح عنصراً متماشياً مع المحيط الجماعي بكل
تشكيلاته المختلفة.
-
أصحاب الاتجاه الفرداني :
إن للذات
حق في ان تحتفظ بسماتها الفردية وميولها ونزواتها وغرائزها بصورة مستقلة بعيدة عن
أي مؤثر يفرض على خياراتها، وذلك لكون أي مؤثر خارجي يعمل على استلاب جزء من شخصية
الذات الحقيقية التي تتدفق بعفوية وانسيابية تامة.
وهذا يساهم
في تعزيز التباين في البيئة المجتمعية لتساهم في دعمها وتعزيزها وتحقيق تقدمها ”
لقد اعتمد كل من التقدم الفني والخلقي والثقافي كثيراً على الافراد الموهوبين
الذين كان نشاطهم ولا زال عاملاً حاسماً في انتقال الإنسانية من الهمجية الى
الحضارة. ويتوقف مدى استفادة المجتمع من مواهب افراده على مدى التقدم والعكس ” ([2])، وهذا يوضح الدور الذي تلعبه ذاتية الفرد في ظل التدفق الحر
النابع من الاستلهام الإنساني للفكر والحياة والعالم من حوله من منظوره الخاص،
وبالتالي يسهم في تقديم زاوية أخرى لمعالجة متغيرات العالم وظواهر الاستحداث
البشري المتجددة.
-
الاتجاه الاجتماعي :
الفردانية
تميل الى الانانية المفرطة في تحقيق رغباتها وطموحاتها. بينما المطلب المجتمعي
يسعى الى اخضاع الدوافع الفردية وقمعها بما يحقق المصلحة المشتركة لجميع اعضاءه
والتي تتكافئ فيها فرص التفاعل الاجتماعي بين الافراد. وبالتالي تتقلص نسبة الحضور
الذاتي والتعبير الواضح عن الذات الفردانية لصالح المجتمع العام الذي يسعى الى
المساواة والعدالة المجتمعية كقيم عامة.
وبالتالي في ظل كبح جماح النزعات الفردانية في
التعبير عن حضورها يطغى ما يسميه دور كايم ” العقل/ الفكر الجمعي”، وهو ما يعرف
بالضغوط المجتمعية والتي هي نتاج هذا العقل.
-
الاتجاه القيمي :
للإنسان
قيمته وحضوره وتأثيره ، كما للمجتمع دوره وتأثيره ، ولكن الميزان الحق الذي يجب أن
لا نتجاوزه ونتغافله ، أن القيم الدينية ليست قيم قمعية أو إقصائية وإنما إرشادية
توجيهية الغرض منها حفظ الكيان الإنساني من الهدر والاستنزاف .
منطق (
إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) منطق غير مقبول على المستوى
العقلي والعقلائي الذي يوافق المنطق الشرعي .
فالتقليد
في حدوده الإلغائية للعقل والفطرة مرفوض ، كما أن الاستقلالية التامة المسمى ب(
الفردانية ) غير مقبولة ، فما المفرد كعطاء وانتاج فكري وعملي إلا نتيجة تراكم
مجموعة مؤثرات منها المؤثر المحيطي والاجتماعي فالإنسان لا يمكنه نكران دور
المجتمع فيما وصل ويصل إليه علماً وعملاً .
إن
التفاعل الاجتماعي مع الفرد على المستويين الإيجابي بالتشجيع والمساندة هو ما
يرغّب عليه الدين ويحث ، كما أن التفاعل السلبي بالنقد والتنبيه والنصح هو جزء من
التفاعل الطبيعي في سياقه الإنساني ، لهذا الفرار من التفاعل الإجتماعي نقداً
ونصحاً خلاف السياق الطبيعي للحركة الإنسانية ، فالإنسان لم يكن بما هو عليه في
آنه إلا بعد مجموعة مؤثرات متركمة أوصلته مع كونه مريد لذلك ساعٍ له .
أنصح الأمة إمامها الحق : -
فكان فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى قرظة بن كعب (1) ومن قبله من المسلمين، سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله وإلا هو
أما بعد، فإنا لقينا القوم النكاثين لبيعتنا والمفارقين لجماعتنا الباغين علينا في أمتنا، فحججناهم فحاكمناهم إلى الله، فأدالنا عليهم، فقتل طلحة والزبير وقد تقدمت إليها بالمعذرة وأقبلت إليهما بالنصيحة، واستشهدت عليهما صلحاء الأمة، فما أطاعا المرشدين ولا أجابا الناصحين.
الكافئة - الشيخ المفيد - الصفحة ٢٨
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى قرظة بن كعب (1) ومن قبله من المسلمين، سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله وإلا هو
أما بعد، فإنا لقينا القوم النكاثين لبيعتنا والمفارقين لجماعتنا الباغين علينا في أمتنا، فحججناهم فحاكمناهم إلى الله، فأدالنا عليهم، فقتل طلحة والزبير وقد تقدمت إليها بالمعذرة وأقبلت إليهما بالنصيحة، واستشهدت عليهما صلحاء الأمة، فما أطاعا المرشدين ولا أجابا الناصحين.
الكافئة - الشيخ المفيد - الصفحة ٢٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق