القضية الحسينية في بعدها الاجتماعي
من منظور المرجع المفكر الصدر
(قده)
تعد حركة الإمام الحسين (ع) حركة إنسانية تشتمل على كل ما يتعلق بالقيم الإنسانية النبيلة والعلاقات الإنسانية
بجميع صورها , لذا نجد كربلاء بجانبيها الذي يمثل الحق والطرف الآخر الذي يمثل
الباطل صورة مصغرة لكل الشخوص حاضرةً في ضمير الإنسان الحي , ولا تبلى الحركة
الحسينية مع تقادم الأزمنة بل كأنها بيننا نعايشها غضة طرية , ولا عجب في ذلك
فالقرآن كلما قُرأ يبقى غضاً طرياً والإمام الحسين (ع( عدل القرآن , وكما القرآن لا يصيبه القدم المعصوم أيضاً بل وما
يتعلق به فقد ورد عن علي (ع)
في حق القرآن : «القرآن ظاهره أنيق، و باطنه عميق، لا تفنى عجائبه، و لا تنقضي
غرائبه، و لا تكشف الظلمات إلا به». [1]
غير
أنه ربما يختزل بعض المحبين القضية الحسينية في بعدها الفكري المجرد عن الواقع , وربما
يختزلها آخرون في بعدها العاطفي , والصحيح أن نعيش الحركة الحسينية في واقعنا
كمثال لا ينفك عن الإسلام الذي هو دين
وحياة , لذا سنسلط الضوء على البعد الاجتماعي في حركة الإمام الحسين (ع)
من منظور المفكر المرجع السيد محمد باقر الصدر t
حيث حلل الحركة الحسينية وأبان الكثير من الخفايا للمجتمع الذي عاصره سيد الشهداء (ع)
لذا ونظراً لعمق الفكرة وجديتها نقف عندها لنفصل مجملها ونستوحي منها الكثير في
هذا البحث .
-
النظرة الكلية لحركة الحسين
(ع) :
لقد حلل الشهيد الصدر قدس سره حركة الإمام
الحسين (ع) وأرجعها إلى سبب جوهري واحد وهو معالجته لموت الإرادة والهزيمة
النفسية.
وقد
كان السبب الذي أوصل الأمة إلى تلبد المشاعر وتبرير الخنوع هو حالة الإرادة الميتة
.
موت
الإرادة في نظرية الشهيد الصدر هو الحكم على تلك الأمة بالانكفاء وعدم الشعور
بالمسؤولية وانعدام الإحساس .
فالنظرية
الاجتماعية لدى الشهيد الصدر والتي طبقها على العصر الحسيني شخص مرضها وأبان
أعراضه وكشف كوامنه .
فالمرض
الاجتماعي في نظر الشهيد الصدر نواة لأمراض أخرى ، وكل داء اجتماعي إذا أصبح ظاهرة
يتحول إلى عرف وجزء من التكوين الاجتماعي .
الحسين (ع) في نظر الشهيد الصدر بعد اكتشافه
للمرض لم تكتفِ بالتنظير ومراوحة المكان ـ كما يفعلها المنظرون الخياليون ـ بل عمد إلى العلاج الناجع الذي يناسب الحالة
المرضية التي ضربت القاعدة العامة للأمة وخدرتها بأنواع الهموم المعاشية والانشغال
بتحصيل الرزق مما لا يترك لها مجالا للتفكير سوى في النفس والهم الذاتي والإطار
الأسري فقط .
هذا المرض إذا ضرب رب الأسرة أورثه لأسرته
فأنتج أبناءً يحملون نفس الانطلاقة والرؤية فلاحظ آثاره .
- مظاهر
الهزيمة الأخلاقية للمجتمع في العصر الحسيني
:
1
– الشح التفاعلي :
الإنسان في نظر الشهيد الصدر جزءٌ من معادلة
التغيير الممكنة في إطارها كما كان لدى
بعض الشخصيات المؤثرة التي بخلت بتفاعلها المؤثر ، وآثرت أن تقدم كما في نموذج
عبدالله بن الحر الجعفي الذي قصده الحسين (ع) في خيمته يستنصره فما كان منه ـ وهو
العارف بالحق القادر على العطاء ـ إلا أنه قدّم أدنى مستويات التفاعل أو دون
المستوى . . . عرض على الحسين(ع)فرسه وسيفه عندما
استنصره الإمام ليقدّم روحه لدينه ، وهذا داء يبتلى بها البعض في حال الابتلاء والامتحان , وهو نموذج لمن كان في زمن الرسول
ممن استنصرهم الرسول (ص) فلم يقدموا إلا الأعذار الواهية )
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ
أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ
تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
(
[2].
فالأعذار
جاهزة ولا يجدوا حرجاً أن يتهربوا من المسؤولية أمام المعصوم (ع) .
2
– الزعامات الذاتوية :
شخّص الشهيد الصدر أن من أعظم العقبات التي
تواجه الإصلاح هي الزعامات التي تمتلك مقدرة التأثير غير أنها تعيش الزعامة
الذاتية ، فلا تتحرك إلا في إطار ما يخدم الذات ويعززها ، ولا تتفاعل مع التحركات
الإصلاحية مع إيمانها بالإسلام مبدءًا ومنهجـًا ، غير أنه إيمان لا يخرج عن نطاقه
الشخصي الضيق الذي لا يستوعب غير العبادات الفردية فقط .
وقد لا يرى في الدين سوى ما يخدم مصلحته فقط
، فيرفع من شعارات الإسلام بما يناسب ظروفه , أو أن بعض الزعامات المختلفة مع
مقدرتها على التأثير الإيجابي إلا أنها تظل أسيرة العلاقات المصلحية والأعراف
المقيدة لعملية الإصلاح , فمثلاً المنذر بن الجارود الذي كان قد كاتبه الحسين
(ع) وأرسله له رسوله زراع السدوسي
وقيل مع سليمان المكنى بأبي رزين, وحيث أنه من الزعامات المعتقدة بإمامة علي (ع)
بل وكان والياً على بعض الأمصار فخان الأمانة فوبخه علي (ع) وعزله .
هذا الزعامة التي
كانت تعيش الإسلام في بعدها الذاتي الشخصي قدمت العلاقات والمصالح على الإسلام فهو
ضمن مجموعة كاتبهم الحسين (ع) لما وصل الكتاب كتموا
على الرسول إلا المنذر بن الجارود فإنه أتى عبيد الله بالكتاب و رسول الحسين لأنه خاف
أن يكون الكتاب قد دسه عبيد الله إليهم ليختبر حالهم مع الحسين لأن بحرية بنت المنذر
زوجة عبيد الله فلما قرأ الكتاب ضرب عنق الرسول.[3]
3
– الهروب من المسؤولية :
كشف الشهيد الصدر ( قدس سره) المستوى الذي
كانت تعيشه بعض الفئات في العصر الحسيني من الهروب من المسؤولية وهذه الفئات - وإن
كانت تحب الخير وأهله ، وتملك مؤهلات الصلاح - إلا أنها إن طلب الإسلام منها
التفاعل والتضحية تجدها تهرب بذرائع مختلفة لتبرر لنفسها أن هروبها ليس فرارًا من
المسؤولية ، وإنما هروبها هو ابتعاد عن المشاكل التي لا طائل منها ، وما حدث مع
بني أسد عندما دعاهم شيخ الأنصار حبيب بن مظاهر من مغادرتهم لمحل سكناهم تحت جنح
الظلام وابتعادهم عن القرب من الحسين (ع) سوى صورة لفئة تفر من المسؤولية وتختلق
لنفسها المبررات .
4
– البكم و الدماء :
في نظر الشهيد الصدر (قدس سره) أن أعظم
الأخطار والأمراض التي صادفت العصر الحسيني هو اصابتهم بالخرس عندما شاهدوا سفير
الحسين (ع) وهو قيس بن مسهر
الصيداوي الذي أرسله الحسين (ع) لأهل الكوفة وإذا بهم يرونه أمامهم يُقتل ولكنهم لم يحركوا ساكنـًا مع مقدرتهم ،
ونظرية الشهيد الصدر أن المجتمع الذي لا يتحرك لإيقاف أول قطرة دم سيبتلى بسيل من
الدماء الغزيرة وعندها ولات حين مندم .
فالعصر الحسيني كان يحوي كل الفئات والأحداث
والوقائع رغم قصر الفترة الزمنية التي وقعت فيها قضية الحسين (ع) قبل الطف وما تلاها إلا أنها تحمل الكثير من الدروس الرسالية للباحثين
عن القدوة الكاملة الصالحة لكل زمان ومكان .
وقد
برر بعضهم عدم التفاعل بأن التقية ضرورة يحتمها الإبقاء على النفس عندما يقع الظلم
على الآخرين , غير أنهم نسوا وتغافلوا أن لا تقية في الدماء , فقد ورد عن الإمام محمد الباقر (ع) : (التقية في كل
شي ء إلاّ إذا بلغ حد الدم فلا تقية ) . [4]
5
– منهجية الذوبان :
إن من أعظم البَلايا التي مُنيَ بها العصر
الحسيني هو ابتلاء المجتمع حينها بفئات تندفع بكل طاقتها وتمنهج أعمالها ومشاريعها
لتذوب في السلطة مع من تحمل من إيمان وولاء لأهل البيت (ع) .
فقد
ذكر الشهيد الصدر (قدس سره) أن بعض الزعامات في العصر الحسيني انحدرت ووصلت إلى
حالة الذوبان في السلطة وأخذت تبرر لنفسها كل التصرفات التي تقوم بها ، ومن
الأمثلة التي ساقها عمر بن الحجاج الذي كان من المخلصين في ولائه لأمير المؤمنين (ع) ولقي أنواع الأذى والعذابات في
سبيل إخلاصه لعقيدته غير أنه في النهاية اندفع نحو السلطة وكُلِّف - وهو المجاهد
مع الإمام علي (ع) في صفين – ليحول بين الحسين (ع) والماء في كربلاء مع
علمه بمقام الإمام الحسين (ع) ولكنه برر لنفسه أن
قربه من السلطة يوجب عليه إطاعتها والتبرير لها ، بل والتصفيق في المحافل المختلفة
لقرارات السلطة .
بل ولو ترقينا في تحليل هذه الشخصيات التي
عاشت الولاء في المجتمع الحسيني ثم انقلبت لاكتشفنا أنها كانت تحاول إسكات صوت
الضمير والنفس اللوامة والمجتمع الواعي باستقطاب أكبر قدر من المؤيدين والمصفقين
والذائبين كذوبانهم وأكثر ، والنماذج في العصر الحسيني كانت كثيرة جداً .
5
– موت الإرادة الاجتماعية :
عندما يعيش المجتمع التماسك والترابط فإن
ذلك يرهب العروش التسلطية ، لذا يعمد الأعداء لتفكيك الروابط وتمزيقها بأساليب شتى
، كما حدث مع المجتمع الكوفي في محنة مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة ، فمعاناتهما
كمصلحين في المجتمع الكوفي فاقت التصورات ، فالتفاعل الكوفي مع مسلم بن عقيل (ع) في بداية الأمر الذي بلغ حسب بعض الروايات ثمانين ألفـًا مبايع ثم الهروب
الجماعي عن مسلم يكشف عن سر اجتماعي
، ويمكن استكشاف ذلك من خلال بعض الدراسات منها على سبيل المثال :
علم اجتماع الثورة الحسينية والمجتمع
الكوفي وغيرها من الأبحاث القيمة ، فمن
أسباب الموت الجماعي لإرادة العصر الحسيني الذي لم يخرج لنصرة دينه ، ومعتقده
وكرامته رغم الشعور بالأخطار ونتائجها ، ونؤكد على الموت الجماعي للإرادة الاجتماعية
بدليل واضح هو عدم خروجهم لنصرة الحسين (ع) سوى بضعة وسبعين رجلاً من مئات الآلاف الذين سمعوا الحسين (ع) وعرفوا هدفه ، ثم حالة الانقلاب المفاجئ للمبايعين منهم لمسلم (ع) .
أسباب
هذا الانقلاب :
1
– ضرب وإلهاء السلطات الأموية للناس ببعضها من خلال بث الفتن والنزاعات الداخلية
كما حدث بين بعض القبائل والأحياء في
الكوفة.
2
– بث الرعب والهلع بعمليات قتل وتنكيل ببعض الشخصيات الكبيرة لجس نبض المجتمع
الكوفي إن كان سيتفاعل مع الحدث أو لا ، فتأتي الضربة التالية أقوى وأكثر
استحكاماً كما حدث مع بعض أنصار الحسين (ع) في الكوفة إذ نُكّل بهم أشد تنكيل ، فلما لم تجد السلطات
تفاعلاً يناسب الحدث رفعت من حدة المواجهة وسنّت شفارها لتضعها على كل الرقاب .
3
– شراء ذمم الزعامات القبلية :
نظام
الكوفة كان قائماً على التركيبة القبلية ، فإن استميل الرأس مالت باقي الرقاب ،
وقد كان التنافس القبلي مستحكماً مما حدا ببعضهم أن يمارس دور لسان السلطة في تخدير قبائلهم بعد أن شرتهم السلطة
بالأموال والمناصب ، وكل زعيم يحاول التقرب للسطة أكثر ليحقق لنفسه مكاسب أكبر .
4
– فصل القاعدة الشعبية على القيادة :
من
أهم الأسباب المؤثرة فصل القواعد عن قيادتها من خلال الملاحقة لمن يرتضي نهج أهل
البيت (ع) أو يتعاطف معهم .
5
– داء التردد المستعصي :
أي
مجتمع يُبتلى بالتردد فإنه لا يراوح مكانه بل تتلاحق عليه الأحداث ولا تمهله
الساعات والأيام ، ومن أهم الأمراض التي جعلت المجتمع الكوفي يتخلى عن نصرة الحسين (ع) أنهم كانوا مبتلين
بداء التردد وهو لا ينشأ إلا من أمراض منها .
أ
– عدم وجود القيادة الموحدة .
ب
– حالة الشك في قدرة القيادة على اتخاذ القرار الحكيم .
ج
– عدم تشخيص الموقف السليم بسبب الانخداع .
وليس أدل من حالة التردد التي منوا بها وأورثتهم
ومن جاء بعدهم إلى الآن الحسرة والألم بسبب تسلط الطواغيت على مقدرات الأمة واستضعافهم
لها نتيجة لحالة التردد التي لو لم تقع في الكوفة عندما استولى ابن زياد على قصر
الكوفة واحتجز أحد القيادات الحسينية وهو هانيء
بن عروة وضربه على وجهه بالسيف، فقد جاءت الجموع إلى قصر الأمارة للمطالبة بخروج
هانيء ، فخرج لهم شريح القاضي وأخبرهم بأن هانيء لا بأس عليه وإنما يتشاور معه ابن
زياد ، فترددوا في تصديق شريح ولكنهم صدّقوه وحالهم هو ما روي
عن النبي الأكرم (ص) :(لم يخنك الأمين،
ولكن ائتمنت الخائن)[5]
فلو
أصروا على رؤيته أو اقتحموا القصر لأطاحوا بابن زياد الذي كان في نفر قليل في
القصر ، ولانجلت هذه الغمة الأموية وما حدث من ويلات منها قتل سيد الشهداء (ع) وما بعدها من استيلاء على إرادة الأمة بسبب حالة التردد الأولى التي وقعوا فيها .
6
– الخدر الإنحرافي :
يرى الشهيد الصدر (قدس سره) أن حالة الترف
أو الإلتهاء بالمغريات والانحراف عن جادة الفطرة تجعل الإنسان في انفصام بين العمل
والعاطفة ، فقد كانت عاطفة الأمة مع أهل البيت (ع) غير أن الغرق في المعاصي والبعد
عن الله تعالى تجعل الإنسان بين أمرين :
الأول
: البعد العاطفي الذي يعتقد ويؤمن به الإنسان ويراه حقاً يجب اتباعه .
والآخر
: حالة اللذة والخدر الأخلاقي الذي أصيبوا بها نتيجة مقارفة المعاصي بل وجعلوها
محوراً في الحياة ، وقد ضرب القرآن مثالاً لموت الإرادة في المجتمع الإسرائيلي : }فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ {[6]
فالفسق كان داءً انتج استخفاف فرعون بهم
واستمالتهم بالمنكرات والانحرافات مما جعلهم موتى الإرادة ، وكل مجتمع ينصرف إلى
الشهوات ويجعلها قبلته يكون معها مرتهناً وأسيراً لها ، فتموت إرادة التغيير ، ويصبح منكباً على
غرائزه لا يرى لغيرها نفس الاهتمام والحظوة .
- العلاج
الحسيني لأمراض الأمة :
1-
التحول الممنهج :
فالتحول في نظر الشهيد الصدر في عملية
الإصلاح يحتاج إلى خطوات مدروسة وممنهجة ، وهذا حسب نظر الشهيد المفكر الصدر هو ما
قام به الإمام الحسين (ع) في تحويل الهزيمة إلى عزيمة راسخة ضربت جذورها في نفوس الأمة التي
ماتت إرادتها ، فكيف قلب وحول المسار ؟ .
لقد خطط سيد الشهداء (ع)
لتغيير روح الهزيمة بعد دراسة أبعاد القضية، وتفحّص حال المجتمع
والمفاصل المهمة فيه ، فشخّص الداء ووصف الدواء بأن الأمة المنكبة على الشهوات أول
علاجها العودة الى الذات قوله (ع): ( ثم عودوا إلى أنفسكم ) فالعودة إلى الذات أول طريق الوصول لأن
( من عرف نفسه فقد عرف ربه )[7] ، وما مثال الحر بن يزيد
الرياحي وابنه وأخيه سوى مثال من أمثلة التحول الممنهج الذي أراده سيد الشهداء (ع) ومقالة الحر ( رضوان الله عليه ) شاهد على ذلك بقوله : ( أخيّر نفسي بين الجنة والنار ، فو الله ما
اختار على الجنة شيئا )[8] .
2-
شفافية الشعارات :
لقد تطرق الشهيد المفكر الصدر ( قدس سره) في
دراسته للحركة الحسينية المباركة لموضوع حساس ومن صميم الحركة الاجتماعية وهو
موضوع الشعارات الذي يعتبر إحدى الكواشف عن المبتنيات الفكرية لكل تحرك فردي أو
اجتماعي أو تجمعي ، فالشعارات تحمل في طياتها المباني الفكرية فهي تختصر الكثير في
ألفاظ قليلة ، والواقع أن الشعارات ضرورية ومهمة نظراً لاختصارها وتحريكها للجمهور
، ففيها بُعدٌ تحريكي وهي كما نعلم إما أن تكون حقاً أو باطلاً ، والذي يراجع
الإسلام في بعده الاجتماعي يكتشف شعاراته التي هي من صميم العقيدة وهي تؤكد على
المفاهيم الإنسانية النقية ، من ذلك مثلاً في المنظور القرآني الاجتماعي نجد
الشعار الكبير الذي يرفعه ليكون نهجاً للمسلمين : } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ { [9] .
وكذلك في
الحركة الحسينية رفعت الكثير من الشعارات المباركة التي هي في جوهرها واقع الإسلام
وحقيقته لا انفكاك بينها وهذا هو سر خلود الحركة الحسينية أن شعاراتها شفافة تجد
فيها جوهر الإسلام ، وليس شعارات عاكسة براقة تبهر الناظرين لكنها خالية من جوهرية
الإسلام , بل نجد البعض يرفع الشعارات لا تعكس سوى الشعار الخالي من ( إخلاص النية
وعرفان الحرمة والهدى والاستقامة ).
أما شعارات سيد الشهداء (ع)
فهي في شفافيتها تعكس عظمة الإسلام وتتمظهر في تفاصيل تلك
الشعارات وتتجلى .
ومن الجوانب المهمة التي يؤكد عليها المفكر الشهيد
الصدر في قضية الشعارات ، إن الشعار يجب أن يخدم الإسلام وليس الشعار خادماً
للذوات والأهداف الشخصية والفئوية ، ومن شعارات الحركة الحسينية في العملية
التغييرية لتحريك الهمم ( ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يُتناهى
عنه )[10] وأيضاً : ( هيهات منا
الذلة ) ، فالذلة مهانة واحتقار وسحق للشخصية الإنسانية ، لذا فهذا الشعار من جوهر
الدين ، والقرآن يصرح بعدم ذلة المؤمنين أبداً }
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ { [11] ، وغيرها من الآيات والروايات .
الحركة الحسينية ليست مناسبة طقوسية
فلوكلورية يحتفي بها المعتقدون بها ، بل منهج ومعتقد يجدد عنفوان القيم الإنسانية
التي يدعو لها الإسلام ، وليس الحسين (ع) مأساة ومناحة فقط ، بل امتزاج بين الفكر
الأصيل والعاطفة المعزِزِة والمرسِخة لتلك القيم ، وكما يذهب المفكر الشهيد
المطهري ( قدس سره) بأن القيم الدينية ببعدها الفكري أمر جميل ولكنها تحتاج إلى ما
يرسخها في النفوس لكي لا تكون معان جامدة خالية من الروح , ولا يعززها ويؤصلها إلا
العاطفة .
والخلاصة
:
إن
المنحى الذي أراده أئمة الهدى (ع) هو امتزاج الأمرين وانصهارهما لاكما يغالي البعض
بأحد الاتجاهين ، فأي عاطفة مفرطة مجردة عن الفكر والتأمل وترسّم الخطى وصب القيم
الحسينية على أرض الواقع وتركيز على البعد العاطفي المفرط لا يتطابق مع عظمة
الحركة الحسينية ، الاتجاه
الآخر
الغلو في تجريد القضية الحسينية من
العاطفة الحارة الصادقة المخلصة لتكون مجرد تنظير جامد لا يحمل روحاً ولا تفاعلاً
، بل النظر إليها كلوحة صماء نحلل أجزائها دون أن نعكسها على واقعنا.
وزبدة
المخاض سيد القول ما روي عن الصادق من آل محمد (ع) : ( إن للحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً ) .[12]
المصادر :
1-
القرآن الكريم .
2-
وسائل الشيعة , للحر
العاملي .
3-
بحار الأنوار , للعلامة
المجلسي .
4-
ميزان الحكمة , للري شهري .
5-
مثير الأحزان , لابن نما الحلي .
6-
الحسين (ع)
يكتب قصته الأخيرة , للشهيد الصدر .
7-
علم اجتماع الثورة الحسينية
والمجتمع الكوفي , لعماد الدين باقي .
[1]
- البرهان في تفسير القرآن ’ ج 1 ص 23 .
[3]
- مثير الأحزان , لابن نما الحلي , ج 2 , ص 15 .
[4]
- وسائل الشيعة .
[5] - ميزان الحكمة , للري شهري , ج 1 , ص 233 .
[7]
- ميزان الحكمة , للري شهري , ج3 , ص 91 .
[8]
- لواعج الأشجان , للسيد محسن الأمين , ص 132 .
[10]
- بحار الأنوار , للعلامة المجلسي , ج 44 ,ص 381 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق