( اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب وأتقرب بهما إليك خير القرب يا من إليه المعروف طلب وفيما لديه رغب، أسألك سؤال مقترف مذنب قد أوبقته ذنوبه وأوثقته عيوبه فطال على الخطايا دؤبه ومن الرزايا خطوبه يسألك التوبة وحسن الأوبة والنزوع عن الحوبة ومن النار فكاك رقبته والعفو عما في ربقته فأنت مولاي أعظم أمله وثقته.
اللهم وأسألك بمسائلك الشريفة ووسائلك المنيفة أن تتغمدني في هذا الشهر برحمة منك واسعة ونعمة وازعة ونفس بما رزقتها قانعة إلى نزول الحافرة ومحل الآخرة وما هي إليه صائرة
اللهم وأسألك بمسائلك الشريفة ووسائلك المنيفة أن تتغمدني في هذا الشهر برحمة منك واسعة ونعمة وازعة ونفس بما رزقتها قانعة إلى نزول الحافرة ومحل الآخرة وما هي إليه صائرة ) .
* البرنامج العبادي فترة الغيبة :
1. الإمام الحجة المرشد الأعظم للسالكين :
كل إمام من الأئمة الطاهرين (ع) يرعى شيعة زمانه وشيعته مطلقاً ، وإمامنا الحجة أرواحنا فداه لا يخرج عن هذه القاعدة ، فالأئمة لم يتركوا شيعتهم دون رعاية ، فكيف وهم محتاجون لمن يرشدهم خصوصاً في زمن الفتن واشتباه الأمور ، فالحجة قد وضع لشيعته برنامجاً عملياً روحياً عبادياً تقربياً ، فهو مطلع على أوضاعهم كما جاء في أحد توقيعاته الشريفة المروية عنه بقوله عليه السلام : (فإنّا نُحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم) فهو يعرف ما يحتاجون إليه خصوصاً طالبي القرب الإلهي وناشدي طريق الله فهو الراعي لهم ، وكما يقول أحد الفضلاء الصالحين : (عليكم بالالتفات إلى ولي الله الأعظم صاحب الأمر (ع) فإنه المعني في زمان الغيبة بالأخذ بيد السالكين إلى الله تعالى ، إذ أنه إمام السالكين ).
فالدعاء أساساً مروي عن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح عن الناحية المقدسة كما يروي شيخنا الطوسي أعلى الله مقامه بقوله : (قال ابن عياش وخرج إلى أهلي على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رضي الله عنه في مقامه عندهم هذا الدعاء في أيام رجب ) ، فهو المربي لشيعته في زمن الغيبة ، وهذا يؤكد المعنى السابق الذي ذكرناه أنه برنامج عبادي خاص للشيعة في هذا الزمان ، وفي هذا الشهر العظيم خصوصاً لأن نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله قال عنه أنه الشهر الأصبّ بمعنى انصباب رحمة الله على عباده صباً .
2. لكل ذنب طريق للمغفرة :
عندما يقع الإنسان في ذنب من الذنوب – وهذا حال الإنسان فهو مذنب –، فالمؤمن يقف حائراً يبحث عن طريق للمغفرة ، ولا يمكن أن يجد أحداً يعرف طريق المغفرة إلا أهل الطهارة والإخلاص وأعني بهم من قال عنهم القرآن : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } .فهم من طهرهم الله وزكاهم وخصهم بمعرفته والقرب منه ، والقرآن يصرح بذلك في موارد كثيرة جداً .
وقد ورد أن التوسل بهم شافعاً يوم القيامة نافعاً ، وورد أن بعض الحوائج يكون قضاؤها بالتوسل بالإمام الفلاني ، والحاجة الفلانية بالإمام الآخر، وما دعاء التوسل الوارد في مفاتيح الجنان سوى مصداق من مصاديق أنهم باب الله الذي منه يُؤتى ، وأنهم (ع) السبب المتصل بين الأرض والسماء ، لهذا نجد هذا المعنى في أعمال الحج فهي أيضاً متنوعة ولكل ذنب عمل خاص كما يذهب أهل المعرفة كالشيخ النراقي في كتابه جامع سعادات ، فهو يرى أن بعض الذنوب لا تُغفر إلا بالعمل الكذائي والأخرى بالعمل الآخر ، وهكذا التوسل وهذا تجده في الدعاء المذكور في المفاتيح .
فالخلاصة أن التوسل بالإمامين الجواد والهادي ينفعان السالك لغفران بعض الذنوب، ولا يعني ذلك أن الأئمة الآخرين ليسوا باباً لإجابة الدعاء عليهم السلام إلا أن ما ورد عن الحجة أرواحنا فداه في دعاء المولودين هو الذي يجعلنا نقول ذلك .
3. ربط السالك والداعي بالقدوة :
في شهر رجب وحيث القلب يصفو مع العبادة من صوم وصلاة ودعاء وتلاوة يكون المؤمن مهيئاً لتلقي إفاضات ربانية ، ومستعداً للنفحات القدسية تجده يبحث عمن يدله على الطريق لينتهل من عذب القرب الإلهي ، فلا يجد أحداً إلا أهل الكمال عليهم السلام ، فهم القدوة الكاملة المستحقون للاقتداء ، لهذا عندما يرتبط الداعي بالله تعالى يحتاج إلى من يذكره بالقدوة فيكون الحجة المنتظر أرواحنا فداه هو المذكر بإمامين من أئمة الهدى عليهم السلام ، لذا تجد المؤمنين عندما يتذكرون رجب يذكرون أنهم يدعون دائماً بـ ( اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب ) فتكون الذكرى أثبت في قلب السالك المؤمن ، لأن من ذكر هذا الدعاء هو خاتم الأوصياء إمام الزمان عليه السلام .
وكما نعلم فإن التوسل بالإمامين الجواد والهادي عليهما السلام له معانيه العميقة ، والتوسل بأهل البيت عليهم السلام يُحقق :
أ. الاندماج المعنوي والروحاني بهم، وبذلك يتحقق الاقتداء بسلوكهم .
ب. بيان مكانتهم وعظمتهم عند الله سبحانه وتعالى ،من خلال كلمات الدعاء.
ج. تركيز العظمة في شخصيات الأئمة عليهم السلام في نفوس شيعتهم من خلال القدوة الصالحة لكل زمان ومكان ، والقدوة الكاملة التي لا يمكن أن تنحرف ، وكيف يحتار الإنسان وعنده القدوة التي بلغت كل الكمالات ، فالدعاء الذي يكرره الداعي كل يوم يجعله يفكر في هذه الشخصيات ويبحث عنها وهذا يدعوه للاستقامة الإقتداء بها ، إذ لا غنى لأي شخص من قدوة يقتدي بها للوصول لأهدافه .
4. الدعاء باللفظ لا بالمعنى :
لا نشك أن الدعاء يؤثر في روح الداعي ونفسه تأثيراً كبيراً بل وحتى جسده ، وهنالك تجارب أُجريت في اليابان تثبت ذلك ، ولا يمكن أن يؤثر نفس الأثر لو تلي بمعناه أو غُيّر لفظه . راجع مقالة بعنوان ( رسالة الماء ) للتأكد من عظمة المعاني الروحية وتأثرها بما يحيط بها حتى الألفاظ ، وفي ذلك وردت روايات متظافرة فقد ورد أن أحد أصحاب الأئمة عليهم السلام جاءه يوماً فتعلم من الإمام دعاءً غير أنه غيّر في لفظه ، وإذ بالإمام عليه السلام يصحح له كما في الرواية : (إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار ، ولكن قل كما أقول : ( يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك ).
وفي خبر آخر عن الكافي بسنده عن عبد الرحيم القصير قال دخلت على أبى عبد الله ( ع ) فقلت جعلت فداك إني اخترعت دعاء فقال: ( دعني من اختراعك )
وقد علق محقق من لا يحضره الفقيه على الخبر السابق بقوله : (يدل ظاهرا على النهى عن اختراع الدعاء وحمل على الكراهة لعموم الأمر بالدعاء إلا فيمن لا يعرف الله وصفاته العليا ، فربما يتكلم بما لا يجوز له ، ولا ريب أن الدعاء بالمنقول أولى )
( تدل هذه الأحاديث على إن الأدعية المأثورة توقيفية ، وقع التعبد بخصوص ألفاظها الواردة ، وان أدنى تغيير أو تبديل في كلماتها ، أو أي لحن أو تحريف في حركاتها وحروفها ، وان لم يغير المعنى ، يوجب أن لا يكون أداؤه صحيحا ، فلا يتوقع منه ما يترقب منه فيما لو كان أداؤه تاما من الآثار الروحية ) .
ولهذا الالتزام بنص الدعاء هو الأولى لأنه هو الذي ورد في النص .
1. الاستفادة من الدعاء لتثبيت رواية الولادة الطاهرة للإمامين :
قد يتساءل بعض المؤمنين هل ولادة الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام كانت في رجب ، ولما خصهما الإمام الحجة أرواحنا فداه دون غيرهما ، مع أن هذا الشهر فيه ولادة أمير المؤمنين عليه السلام وهو أبو الأئمة أجمعين سلام الله عليهم .
والجواب من وجوه :
أ. ما يذهب إليه شيخنا المجلسي أعلى الله مقامه في بحاره في رده على شبهة عدم تخصيص التوسل لاقترانه بولادتهما في هذا الشهر وقولهم : أراد التوسل بهما في هذا الشهر لا كونهما ولدا فيه .
فيقول : وما ذكروه غير صحيح هنا ، ويعلله لأسباب وهي :
أولاً : فلأنه إنما يتأتى قولهم على بطلان رواية ابن عياش وقد ذكرها الشيخ ، أي لا يمكن رد رواية ابن عياش وقد أورد شيخنا الطوسي الرواية بسند معتبر .
ثانيا : فلأن تخصيص التوسل بهما في رجب ترجيح من غير مرجح لولا الولادة . وأما ثالثا : فلأنه لو كان كما ذكره ، لقال عليه السلام : الإمامين ، ولم يقل المولودين انتهى ملخص كلامه رحمه الله .
والأقوال في ولادة إمامنا الهادي متعددة ولكنها متفقة على السنة ومختلفة في الشهر واليوم :
(اتّفق أكثر المؤرخين أنّه ولد في سنة (212هـ) وقيل أنّه ولد في سنة (214هـ) وقد اختلفوا في الشهر واليوم الذي ولد فيه وهذه بعض الأقوال:
1. ولد في اليوم السابع والعشرين من ذي الحجّة.
2. ولد في اليوم الثالث عشر من رجب.
3. ولد يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب.
4. ونصّت بعض المصادر أنّه ولد في رجب ولكن لم تعيّن لنا اليوم الذي ولد فيه، وبذلك صرّحت بعض الأدعية فقد جاء فيها «اللهمّ إنّي أسألك بالمولودين في رجب محمّد بن علي الثاني، وعلي بن محمّد المنتجب».
أهملت بعض المصادر اليوم والشهر الذي ولد فيه واكتفت بالقول أنّه ولد بالمدينة ).
ب. يحتمل أن الدعاء كان في معرض تخصيص الإمامين عليهما السلام ، ولا يعني ذلك نفي ولادة غيرهما في نفس الشهر ، وأيضاً ذكرهما خاصة لأن الإمام الحجة أرواحنا فداه في معرض الإشارة إلى التوسل بهما في هذا الشهر .
2. الدعاء وبيان بعض مقامات أهل البيت (ع):
إن الطرق التي نعرف بها مقامات آل محمد (ع) القرآن الكريم والسنة المطهرة المروية عن النبي وآله الطاهرين ، إما بالأحاديث والروايات أو بالدعاء والزيارات .
وهذا الدعاء في إحدى عطاءاته يقدّم لنا بياناً عن مراتبهم الكريمة عند الله تعالى عندما يقول في حق الإمامين الجواد والهادي (ع) : (وأتقرب بهما إليك خير القرب يا من إليه المعروف طلب وفيما لديه رغب ) إذن هما من أقوى الأسباب في حصول القرب الرباني، فأفضل القرب لا يمكن تحصيلها إلا بهم ، ويؤكده ما ورد الزيارة الجامعة المروية عن مولانا الهادي (ع) ( من أراد الله بدأ بكم ) .
ومن أراد أن يعرف بعض مقاماتهم فعليه أن يرجع إلى مضامين الزيارة الجامعة فهي تكشف مقامات شامخة عالية لهم عند ربهم سبحانه وتعالى .
والإمام الجواد (ع) تولى الإمامة وهو صغير جداً ولم يستطع أحد أن يقف على نقص منه (ع) بل كل الكمالات التي وجدوها في آبائه (ع) وهذا يدل على أنهم من نور واحد، ويدل على أئمة حق وهدى لأن الصغير والكبير في مستوى واحد من العلم والتقوى والمقامات.
ولماذا ذكر هذين الإمامين خصوصاً ؟ ليتذكر الإنسان أن الله تعالى أتاهما الإمامة وهما صغيران فالجواد كان عمره سبع سنوات ، والهادي كان عمره ست سنوات ، وذلك يؤكد قربهم من الله سبحانه فكما آتى الله عيسى ويحيى الحكم صبيا فكذلك الأئمة الطاهرين عليهم السلام ، فيقوى اعتقاده بهم واطمئنانه بأحقيتهم وقربهم من الله تعالى .
فالدعاء من عطاءاته للسالك أن يؤكد له هذا المعنى بوضوح شديد جداً أن القرب الرباني يتحقق عندما تكون الانطلاقة من بيوتهم ، فيخرج الداعي بعد أن يردد الدعاء وهذا المقطع الرائع ليجد لذة العبادة وحلاوتها ، ويجد نفسه عاجزاً عن إحصاء ألطاف الله تعالى التي يفيضها من بيت أصله في الجنة وأغصانه في بيوت شيعتهم ، من تمسك بغصن من أغصانه أخذ بيده إلى الجنة والرحمة ، كيف لا يكون كذلك وإمام زماننا أرواحنا فداه هو الذي يوصي بالتمسك بهذا الدعاء في خصوص شهر رجب الأصب ، ليرتقي بهما في مدارج القرب ، ويخرج منه وقد نقى قلبه من كدورات الذنوب واستشعر العظمة في هذا الشهر ، وأصبح مهيئاً للدخول في شهر النبي الأعظم (ص) شهر شعبان وبرنامجاً آخر سيدخله ليكون مهيئاً لدخوله في شهر الله شهر رمضان .
الدعاء يفتح الطريق أمام الإنسان و يشرح قلبه الذي ربما تجعله الحياة غافلاً عنه ، فيقف لينظر نفسه عاجزاً عن أن يرزق نفسه أو يدفع عنه شراً أو سوءً ، بل وأعظم من ذلك أن يجد نفسه غارقاً في وحل المعاصي والذنوب ، قد غرته وسولت له نفسه أن يعصي ربه ، فبعد هذه الوقفة مع النفس يجد الإنسان أن لسانه مكبل معقود ، فهل يصح فنتيجة الذنوب رين على القلب لا يبصر به الطريق ، فيرجو رجاء المفتقرين المنقطعين الذين سدوا على أنفسهم الطريق بأيديهم ، والعلاج بيد خالق هذا الإنسان والمحيط بأمراضه وآفاته ، فالسائل ماذا يعدد لربه من آثامه ومعاصيه وسيئاته ، فالنتيجة أنه يدعوه بلسان الحاجة والمسكنة المطلقة سؤال المقترف المذنب الذي ليس له عذر يقدمه سوى اعترافه أنه وقع فتبع الوقوع في الوحل اتساخ القلب وتكبيل العيوب للقلب فأنتج ذلك أُنساً بالذنوب ومداومة عليها .
عند العقلاء أن يسيء امرؤ لآخر ثم يأتي له ليطلب منه قضاء بعض حوائجه ؟!، بالطبع سيحكم العقل والعقلاء بقبح هذا العمل، وتنافيه مع الفطرة ، فالطريق السليم وقبل أي طلب أن يعترف الإنسان بتجاوزه وجرأته على سيده ومولاه ، وأن ما قام به هو نتيجة لغشاوة أصابت عين قلبه ، فيستحسن أن يكون الدعاء اعتراف وتذلل وخضوع كامل لا طلب وتمني الحوائج ، لذا الداعي لا يمكن أن يرفع رأسه فيقول وكله أمل (أسألك سؤال مقترف مذنب قد أوبقته ذنوبه وأوثقته عيوبه فطال على الخطايا دؤبه )
إذن الداعي يجب أن يسأل الله سؤال المذنبين ، لا سؤال المحتاج ، ولا سؤال التائبين ، ولا سؤال المفتقرين ، بل سؤال المقترفين الغارقين الذين يوشكون على الهلاك نتيجة المعاصي .
فالدعاء على درجات تناسب كل واحدة منها حال الداعي ، وكذلك الداعون أنواع فهنالك الداعي المحتاج ، وهنالك الفقير ، وهنالك المضطر ،عالى ، وهنا الإمام الحجة أرواحنا فداه يعلمنا في دعاء المولودين في رجب كيف يكون دعاء المذنب الغريق في وحل السيئات .
4. مقام التذلل والإفاضة :
بعد أن اعترف وقدم عذره في وقوعه في السيئات يسأل سؤال يقدّم حاجته وهذا من آداب الدعاء عند أهل البيت (ع) فاطلب بعد الاعتراف، وحال المذنب هنا في دعاء ( المولودين ) بعد بيان حاله لربه الذي لا تخفى عليه خافية أن يسأله سبحانه التوبة ومحو اسمه من ديوان المغضوب عليهم ، ويسمح له بالعودة إلى حضرة العبيد بعد أن دخل في عبودية الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ، فيطلب حسن استقباله سبحانه وإن كان خاطئاً لأن المعاصي قد أسقطه ، ولكنه الآن راجع فيطلب من ربه أن لا يرده ولا يجبهه ، وأن ينتزعه من هذه الحفرة العميقة التي أوقع نفسه فيها فهو يمد يده سائلاً العفو والتوبة الواقعية التي تمحي السيئات .
ثم الطلب مجدداً ولكن تأكيد على المسألة والإلحاح فيها ( اللهم وأسألك بمسائلك الشريفة ووسائلك المنيفة ) وهي التوسل بالإمامين المولودين في رجب لأنه يحسن أن يكون التوسل بصفاتهم ومقاماتهم عند الله تعالى بعد التعريف بهم ، فالمسائل الشريفة والوسائل المنيفة الرفيعة العظيمة هي أعظم الأسباب والوسائل التي أمر الله بها (وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) وهي هنا أهل بيت الرحمة والعصمة عليهم السلام .
إلحاح الداعي مرة أخرى للوصول بعد تقديم الطلب والاعتذار للوصول إلى أصل المطالب وأهمها بعد طلب العفو المغفرة وهو (أن تتغمدني في هذا الشهر برحمة منك واسعة ) أن يكون في هذا الشهر على الأخص لأنه شهر الرحمة الذي يصب الله سبحانه فيه رحماته، فقد بدأ الدعاء بالتوسل وطلب العفو الرحمة بالمولودين في رجب ، وها هو الإمام المنتظر أرواحنا فداه يؤكد ما بدأ به دعاؤه صلوات الله عليه ، ليثبّت فكرة عظمة الشهر لعظمة أصحابه ، والقرآن يحث التذكير بأيام الله بقوله تعالى : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }
خلاصة عطاءات الدعاء :
في نهاية الدعاء تبقى لمعات معنوية في قلب وفكر الداعي تتركز في هذا الدعاء يقدمها للمنتهلين والسائلين تخلص في ثلاثة أمور هامة جداً كأنما يريد الإمام الحجة أرواحنا فداه أن تعلق وتبقى ، لأن آخر الكلمات يكون لها صدى في قلب الإنسان عادة :
1. رحمة إلهية واسعة خاصة بالداعي في هذا الشهر الشريف ، فهو يصب الرحمة على عباده صباً ، وليس الرحمة مال فقط كما يتصور البعض ، بل عناية ربانية تعين الإنسان على مواصلة الطريق وتجاوز العقبات التي تعترضه .
2. ( نعمة وازعة ) متواصلة متتالية غير منقطعة ولا ممتنعة عن العبد المحتاج ، ولو كان العبد مخطئاً وغير مستحق للنعمة إلا أن الرب رحيم ، أي عدم اليأس ولو وقع الإنسان.
3. ( ونفس بما رزقها الله قانعة )، فالإنسان إن تخلص من الطمع تخلص من سبب يردي كثير من الناس ، فكم من إنسان طيب قد جرفه حب المال للسقوط ، لأن عينه غرها بريق الدنانير ، فباع دينه بدراهم معدودات وأصبح أداة في يد غيره ينقلها أينما أراد .
فالتركيز بأن تكون القناعة متواصلة مع الإنسان إلى أن ينزل به الموت وإدخاله إلى القبر، وهذا أمر هام لأن الإنسان كلما امتد به العمر اشتدت معه صفتان الحرص وطول الأمل ، كما في بعض الأخبار .
فنخلص إلى أن العلاقة بالله عز وجل تتطلب صدقاً وإرادة ً للوصول ، ووطئ لرغبات مردية فقد ورد عن إمام الموحدين عليه السلام ( كم من أكلة منعت أكلات ) ، لهذا يركز الدعاء على أن لا يغلب الإنسان الحرص فيحرفه عن الطريق ، أن يراقب نفسه إلى أين تتجه ، ولا يترك لها قيادته فـ (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ)
وهنالك الكثير من المعاني يضيق المقام عن إيرادها ، نسأل الله التوفيق لتطبيقها قبل تسطيرها .
والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
- المصادر -
[1] - مصباح المتهجد - الشيخ الطوسي - ص 804 – 805 , إقبال
الأعمال - السيد ابن طاووس - ج 3 - ص 215 – 216 ، بحار الأنوار -
العلامة المجلسي - ج 50 - ص 14
[2] - مقابة مع العلامة الشيخ جبيب الكاظمي في ملف
الطاهرة الثقافي , العدد 14 .
[3] -
مصباح المتهجد - الشيخ الطوسي - ص 804 – 805 .
[4] - سورة الأحزاب , الآية 33 .
[5] -كمال الدين وتمام النعمة , ج2 ص 51 , حديث 49 .
[6] -
كتاب الطهارة (ط.ق) - الشيخ الأنصاري - ج 2 - ص 331 .
[7] -
من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 1 - هامش ص 560 .
[8] - آداب الدعاء في الإسلام للسيد محمد رضا
الحسيني .
[9] -أحمد
بن محمد بن عبد الله الجوهري ، صاحب كتاب مقتضب الأثر بسنده .
[10] -
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 50 - ص 14
[11] - الإمام
الهادي ثمرة من شجرة الرسالة .
[12] -
مفاتيح الجنان , الشيخ القمي .
[13] - سورة المائدة الآية
: 35 .
[14] -
سورة إبراهيم الآية : 5 .
[15] -
سورة يوسف , الآية 53 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق