الجمال من القيم الثابتة والمحببة للنفس دون أن يخدشه شيء من الاعراض عنه ، فالنفس البشرية تميل لكل جميل سواء مادي أو معنوي ، فهو جبلة إنسانية لا يمكن أن يعيش الإنسان دون الجمال لأنه من الأمور الفطرية التي ركز حبه في النفوس ، نعم تتفاوت معاير الجمال الخارجي ولكن الجمال بذاته محبب للنفس بل يبحث عنه الإنسان ليريح نفسه سواءً كان منظراً أو رائحة أو مكاناً أو زماناً ويفر مما ينغص هذا الجمال ، ولنا أن نتصور إنساناً يحب الصراعات والنزاعات فهل يمكن القول بأنه موافق للجبلة الإنسانية أو ناشز عنها ؟
توجد عناصر محببة للنفس اللإنسانية منها ما هو ظاهري ومنها ما هو جوهري كالوفاء والصدق والشعور بالتقدير والمحبة فهي قيم جمالية تأنس بها النفس وتشتاق إليها .
في مقابل ذلك توجد صفات منها حالة السكينة والطمأنية التي لها مسببات ولها منغصات ، ومتى ما عاش الإنسان حالة الهدوء الداخلي استطاع أن يبدع ويرتقي في عطاءاته ومجمل حياته ، من هذه الحالات هي بعده عن الاختلال الاجتماعي للحركة الإنسانية فكل تصرف يوجب اختلالاً اجتماعياً موجباً للتحفيز على إثارة الغرائز أو المشاعر السلبية التي لا تقف عن الحدود الفطرية والعقلية ( اللتان هما من مقومات الشريعة ) فيكون ذلك مثيراً لأي مشاعر سلبية تجاه النوع الإنساني ، ومن مظاهرها كلمة تثير البغضاء أو تحفز على الانتقام ، أو سلوك يقود للعداوة ، أو مظهر يدعو للانقضاض على شرف الآخرين وحرماتهم سواءً أموالهم أو أجسادهم أو دمائهم فالشريعة تنهى عنه ، وتنبه على خطورته وإن لم يقصده الإنسان بذاته ولكن قد يوجب تفاعلاً سلبياً مضراً بالنوع الإنسان والاستقرار الاجتماعي وهذه هي من مقاصد الشريعة وروحها .
إنها تستحق الدلال
قد يتساءل سائل عن سبب تحجيم الإسلام للمرأة والتقليل من دورها وحركتها وأمرها أن تستر جسدها.
الله تعالى أبدع في خلق المرأة حيث جعلها في هيئة أراد من خلالها تكامل واستمرار البشرية، هذا الإبداع في خلق الله لم يرده أن يكون مباحًا لكل أحد بل يكون محفوظًا من الأعين المتلصصة والأيدي القبيحة لذا أمر ببعض الأمور التي تحفظ حشمة وطهارة المرأة.
إذا أتينا لمسألة مثل مسألة العفاف والجلباب فإن البعض يستشكل عليه كونه مناسبًا لزمان النبي فقط والآن لسنا في عصر الحجاب والتقييد، ويمكن الرد على هذه المسألة بالتالي:
أولًا: هل يوجد دليل على أن الحجاب كان في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومحصورًا بزمانه فقط؟
لا يوجد مثل هذا بل على العكس فإن الأمر المستخدم في الآية أمر مستمر (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)[1]، أما بالنسبة للنساء فكان الأمر (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)[2] وحيث لم يرد أي دليل على التخصيص فالأمر على إطلاقه المستوعب لكل الأزمنة ، مضافاً لكون التطبيق العملي كان متحققاً في الأزمنة التالية لزمن النبي (ص) وحث من قبل أوصياء النبي (ص) حتى أصبحت مسألة الحجاب والعفاف من مسلمات الشريعة الإسلامية المقدّسة .
المرأة جمال حقه الحفظ
هنا أمر إضافي للمرأة فلا ينبغي لها أن تبدي زينتها وكذا لا ينبغي لها أن تبدي جسدها الذي يعتبر أساس زينتها فأبيح لها كشف كفيها ووجها إلا إذا رافق ذلك فتنة شخصية أو نوعية فلا يجوز لها حتى ذلك ، واحتاط بعض الفقهاء بستر الوجه والكفين كالسيد الخوئي طاب ثراه ، وذهب آخرون إلى استحباب ستر الوجه فيما لو لم يكن فتنة نوعية وشخصية لما ينطوي عليه من غايات سامية تتناسب وجمال كيان المرأة .
ثانياً : قد يعترض البعض الآخر على ماهية الحجاب والجلباب كونه في زمن النبي مختلف ولا يمكن الآن لبس ذات اللباس القديم، ولا مشكلة في لبس الجديد فالحجاب جوهره أمران:
الأمر الأول: العفاف الداخلي الجوهري.
الأمر الثاني: العفاف الظاهري.
ولا يمكن الفصل بين النوعين، ولابد أن يكون العفاف الداخلي مترجم فيما ترتديه المرأة فلو ارتدت المرأة شيئًا يتقاطع مع العفاف أو كان العفاف يتقاطع مع الجلباب الذي تريده من حيث كيفية وضعه أو من حيث كيفية لونه أو من حيثية ما يوضع فيه فهنا اللون إذا كان لا يدل على معنى العفاف الحقيقي أو يثير الرجل فيتم استبعاده فهو حجاب وجلباب يحتاج لجلباب حتى لو لم تكن المرأة تقصد لفت انتباه الطرف الآخر، عندما أمران أحدهما يسمى عنوان انطباقي والآخر يسمى عنوان قصدي، فعندما تأتي بثياب متنجسه وصل إليه ماء خزان فائض فانفصلت عنه النجاسة حتى طهر فهذا الأمر يكفي بطهارته ولا داعي لأن تعمل على تطهيره مرة أخرى وهذا ما يسمى بالعنوان الانطباقي حيث انطبق عنوان التطهير حتى لو لم تقصده.
ولدينا عناوين قصدية لابد من القصد فيها فلو غسل أحدهم وجهه ورأسه ويديه بهيئة الوضوء وكل شروطه متحققة عدا القصد فلا ينفع هذا الغسل والمسح إن لم ينوِ بذلك الوضوء.
اللباس إن كان لباس غير محتشم وغير مطابق للشريعة الإسلامية ومثيرًا وملفتًا حتى لو لم تقصد المرأة فهو لا يناسب أي عفيفة ومؤمنة.
- لذا تعوّل الشريعة على وعي المرأة وفطرتها والميالة للخير بحكم كونها العنصر المهم في صناعة الواقع والمؤثر المباشر في رفد المجتمع بالفضيلة والإصلاح ، وهي التي صلاحها وانحرافها عن الجادة القويمة السبب الأكبر في التأثير الاجتماعي ، لهذا المرأة الواعية هي التي تعرف مقدار قيمتها الحقيقية في الشريعة وحنان الإسلام وخوفه عليها كونها ( ريحانة ) يجب أن تحمى وتصان لذا نزّل المدافع المستميت عن عرضه ( من مات دون عرضه فهو شهيد ) لأن المرأة الكيان الأعظم في صيانة الأمة .
[1] سورة النور: 30
[2] سورة النور: 31
______________________
من محاضرة لسماحة الشيخ بعنوان هل
جاء عصر انعتاق المرأة - ليلة 4 محرم 1437ه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق