المهدوية.. الحضور وملاحقة المفهوم
والمصداق[1]
قال تعالى : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ) [2]
§
مقدمة
استلهامية :
من رحم المعاناة يولد الفرج ، ومن أحشاء العذاب والنكال تأتي العزة والسؤدد والكرامة ، فبعد كل ليلٍ بهيم وعاصفةٍ هوجاء تنتشر السعادة والسلامة والرخاء ، آية مبشّرة ورحمة مهادة تُزفُ كالعروس الحسناء لمهدي الأمة وقائمها وقائدها الأعظم وسيدها الأكبر والمهدويين المنتظرين لإشراقته الإلهية لينتهي أكبر فصول المعاناة التي عانتها البشرية .
وبعبارة أحد الأعلام طاب ثراه : إن الله عز وجل لم يّذخّر إنساناً
ينهض بهذا العمل الجبار في بسط العدل الحقيقي - وليس الصوري أو الجزئي أو الشخصي –
في كل المعمورة إلا المهدي الموعود (ع) ، فكل الأنبياء جاءوا لتطبيق العدل ونشره
في العالم برمته ولكن لم يكتب لهم النجاح حتى خاتم النبيين (ص) لم يتحقق له نشر
العدالة في كافة المراحل والدرجات الإنسانية ، حيث حالت العقبات دون تطبيقه . انتهى
كلامه زيد في مقامه. [3]
لذا عيد النصف من شعبان هو عيدٌ للبشرية المنهكة بالانحرافات
والاستبعاد بالأهواء والإغراء والاستضعاف والضيق .
¤ الأدلة
الوجدانية على حضور النور :
من المعالم الأساسية لشخصية المؤمن بالله تعالى في
سائر الديانات هي الإيمان بالغيب ، حيث يمكن تقسيم الأدلة على وجود وحضور المولى
أرواحنا فداه لعدة أدلة : عقلية برهانية – فطرية وجدانية – شرعية .
وسنقتصر على قبس من الأدلة الوجدانية ، فمما لاشك
فيه أن البُعد الوجداني على الإيمان بالغيب الذي في بعض معانيه مقابل الشهود
والشهادة أن يؤمن بما يجد له وجود حقيقي من آثاره الواضحة وتجلياته البيّنة ،
كالملائكة التي يؤمن بها الأديان السماوية ومنها الجن ، والبعد التأثيري للعمل
الصالح والفاسد بوضوح وتجلٍ في صورٍ مختلفة .
الإيمان بمن أعده الله تعالى لإقامة الحق إيمان
بمشروع رباني لابد من ظهوره بتمام الظهور كما قال سبحانه ( ليظهره على الدين
كله ) أي حاكمية وفاعلية الدين
الإسلامي على كل الشرائع والأحكام والقوانين الوضعية فضلاً عن السماوية ، فهل
تجليه وظهوره سيكون بذاته أو بوسيلة إلهية تامة البرهان واضحة البيان ؟
لاشك أنها بواسطة ولي ناصح مهيمن عليه من حيث
الاستيعاب للدين على نحو الحقيقة لا الاجتهاد ، وعلى نحو الجزم لا الاحتمال ولو
بدرجة واحد بالألف وإلا لكان ذلك نقض للغرض ، فهذا الولي الغيبي الإلهي المنتظر من
قبل كافة البشرية المركوز في وجدانها أن هناك من سيخلصها يوماً ما هو عين ما بشّرت
به الشرائع السماوية فضلاً عن الأحاديث المعصومية من رسول الله (ص) والأئمة
الأطهار فضلاً عن أحاديث عامة المسلمين .
وكما يقول بعض الباحثين : فالذي لا يؤمن بالغيب لا يمكن له
التعامل في جوانب الحياة المختلفة ، لان الحياة تبنى على امرين:
الاول : مادي محسوس يحيط به الانسان بحواسه.
والثاني : معنوي غير محسوس لا يحيط به الانسان بحواسه ، وانما بمدركاته
العقلية والوجدانية .
وهذان الامران لا ينفكان عن حياة الانسان مهما كان اعتقاده ومنهجه الفكري ، ولا تصح منه عقيدته بانكاره للغيب سواء تعقله وادرك أسراره أم لم يستطع الى ذلك سبيلا. فوجود الامام المهدي عليه السلام وبقاءه لهذه الفترة الطويلة ، بعد ان اخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، به يتحرك ضمن هذا الاطار الوجداني والعقلي ، وخاصة بعد أن ثبتت ولادته الشريفة في ١٥ شعبان سنة ٢٥٥ هجرية ، وتسلمه أمر الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام سنة ٢٦٠ هجرية ، وطول العمر ليس بالأمر الصعب من الإمكان العقل والإقرار القرآني (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) ، وبناء على المسألة العقلية ، هناك فرق بين ما هو ممتنع الوقوع في نفسه بحيث لا يمكن ان يقع في اي حال من الاحوال ، كاجتماع النقيضين ، وبين ما هو ممكن الوقوع في نفسه وان لم تجر العادة بوقوعه .
ومن الجهة العلمية فالأبحاث منذ نشأت البشرية على
محاولة إيجاد طريق للخلود وعالم الأدوية والعقاقير والدراسات لأنماط الحياة طعاماً
ونوماً وممارسات كلها لأجل اكتشاف سر الخلود والبقاء للنوع الإنساني .
¤ أساليب
المحاصرة والملاحقة للمهدوية في الحرب الناعمة :
حيث أن الحضارة الإلهية القادمة هي ( ونريد أن نمن ) و ( لقد كتبنا في
الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) وأنها الحضارة القادمة لا
محالة فأرباب المادية والإلحاد والنفاق لا يقبلون بنجاحها فهم يعملون ويخططون
لإفشال هذا المشروع الإلهي بكل جهد ويسخرون الطاقات بأنواعها لأجل ذلك وبعد فشل
الحروب التنصيرية العسكرية توجهوا للحرب الناعمة وهي مؤثرة بشكل واضح وجلي ، حيث عرّف المنظّر الأمريكي جوزيف ناي القوة
الناعمة "أنها القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين
يريدون ما تريد ".[4]
من التعاريف
الرائجة أيضاً: "الحرب الناعمة عبارة عن مجموعة من التحوّلات المؤدّية إلى
تغيّراتٍ في الهويّة الثقافيّة والنماذج السلوكيّة المقبولة من قِبل المؤدلج
.
¤ أركان الحرب الناعمة :
- هي
غزوٌ ثقافيّ، بل هي إغارة وإبادة ثقافيّة عامّة.
-هي الإرادات والعزائم، السياسات والآراء.
- إيجاد الترديد والشكّ في قلوب وأذهان الناس.
- الحرب بواسطة الأدوات الثقافيّة والمتطوّرة
المعاصرة.
- الحرب عن طريق الاختراق، الكذب ونشر
الشائعات.
- الهجوم على الحدود الإيمانيّة، العقائديّة
والثقافيّة.
-هي حربٌ لإحباط الناس عن التغيير للأفضل والأكمل .
اضعاف الانتماء
بالمشروع المهدوي من أكبر وأعظم وأخبث أهداف الحرب الناعمة وهي تتدرج عبر الإلهاء
والاستغراق في بحرين عميقين : ( الهموم الذاتية : بدنية – مالية – فكرية – أسرية ،
وهموم تخديرية : البحث عن اللذة في مقابل الاستنزاف للطاقة الإنسانية بكل مظاهرها
) .
اضعاف الرابطية
بالمولى من خلال عنصر الإثارات : المهدوية الكاذبة ، والحركات المشبوهة ، والعرفان
المزّيف ، تجفيف منابع الروح الحقيقية .
- بوابة الحرب الناعمة على المهدوية التشكيك
بالمنبر الديني الحسيني وبنزاهة أربابه في هجمة مركزة في كل موسم عاشورائي ، ثم
التشكيك بالعلماء ونزاهتهم ثم بالمرجعية الدينية ثم بالدين قرآناً وعترة طاهرة .
مقابل أحاديث
تتحدث عن حقيقة الارتباط عن عامة المسلمين :
١- منها : ( لا تنقضي الايام ، ولا يذهب
الدهر حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي ) فيها دلالة على وجوده اذ لا يتحقق
الملك ما لم يكن المالك موجودا ، وهذا يقتضي وجود الامام عليه السلام ، ولذا له حق
الملكية والتصرف .
٢- منها : ( لو لم يبق من الدهر إلا يوم
لبعث الله رجلا من اهل البيت ليملؤها عدلا كما ملئت جورا ) ، وهذا مروي عن
الامام علي عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهذا يعني حتمية
الظهور مهما طال الزمن . اخرجه احمد في مسنده.
وقد اشار الطبرسي في مجمع البيان الى اتفاق المسلمين الشيعة والسنة على هذه الرواية.
§
انتماء
للمشروع الإلهي :
الانتماء
للإمام المهدي (ع) انتماء لمشروع إلهي وليس لشخص فقط ، لأن ولايته ولية الله وحبه
حب الله واتباعه اتباع لأمر الله تعالى ، فالإمام المهدي إمام الشباب :
( يظهر في صورة
شاب ، وأكثر أنصاره من الشباب ) ويعالج تطلعات الشباب ( العلم والتطور والحضارة
والعنفوان والمعالجات الحقيقية للمشاكل والثقة بالجيل والاعتماد عليه ) لذا العشق
الإلهي بابه الحقيقي عشق آل محمد (ع) ومن جميل ما ذكرته الروايات الشريفة ما رواه
الشيخ المفيد قال : حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْوَرَّاقُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدٍ
اَلْأَشْعَرِيِّ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ اَلْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ لِي مُبْتَدِئاً يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يُخَلِّ اَلْأَرْضَ مُنْذُ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ لاَ يُخَلِّيهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ اَلسَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ بِهِ يَدْفَعُ اَلْبَلاَءَ عَنْ أَهْلِ اَلْأَرْضِ وَ بِهِ يُنَزِّلُ اَلْغَيْثَ وَ بِهِ يُخْرِجُ بَرَكَاتِ اَلْأَرْضِ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ فَمَنِ اَلْإِمَامُ وَ اَلْخَلِيفَةُ بَعْدَكَ فَنَهَضَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مُسْرِعاً فَدَخَلَ اَلْبَيْتَ ثُمَّ خَرَجَ وَ عَلَى عَاتِقِهِ غُلاَمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ اَلْقَمَرُ لَيْلَةَ اَلْبَدْرِ مِنْ أَبْنَاءِ اَلثَّلاَثِ سِنِينَ فَقَالَ يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ لَوْ لاَ كَرَامَتُكَ عَلَى اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عَلَى حُجَجِهِ مَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ اِبْنِي هَذَا إِنَّهُ سَمِيُّ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَنِيُّهُ اَلَّذِي يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ مَثَلُهُ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ مَثَلُ اَلْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَثَلُهُ مَثَلُ ذِي اَلْقَرْنَيْنِ وَ اَللَّهِ لَيَغِيبَنَّ غَيْبَةً لاَ يَنْجُو فِيهَا مِنَ اَلْهَلَكَةِ إِلاَّ مَنْ ثَبَّتَهُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى اَلْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ وَ وَفَّقَهُ فِيهَا لِلدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ فَرَجِهِ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَقُلْتُ لَهُ يَا مَوْلاَيَ فَهَلْ مِنْ عَلاَمَةٍ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا قَلْبِي فَنَطَقَ اَلْغُلاَمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فَصِيحٍ فَقَالَ أَنَا بَقِيَّةُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ اَلْمُنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِهِ فَلاَ تَطْلُبْ أَثَراً بَعْدَ عَيْنٍ يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَخَرَجْتُ مَسْرُوراً فَرِحاً فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ عُدْتُ إِلَيْهِ - فَقُلْتُ لَهُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ لَقَدْ عَظُمَ سُرُورِي بِمَا مَنَنْتَ بِهِ عَلَيَّ فَمَا اَلسُّنَّةُ اَلْجَارِيَةُ فِيهِ مِنَ اَلْخَضِرِ وَ ذِي اَلْقَرْنَيْنِ فَقَالَ طُولُ اَلْغَيْبَةِ يَا أَحْمَدُ قُلْتُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ وَ إِنَّ غَيْبَتَهُ لَتَطُولُ قَالَ إِي وَ رَبِّي حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا اَلْأَمْرِ أَكْثَرُ اَلْقَائِلِينَ بِهِ وَ لاَ يَبْقَى إِلاَّ مَنْ أَخَذَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَهْدَهُ لِوَلاَيَتِنَا وَ كَتَبَ فِي قَلْبِهِ اَلْإِيمَانَ وَ أَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ هَذَا أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اَللَّهِ وَ سِرٌّ مِنْ سِرِّ اَللَّهِ وَ غَيْبٌ مِنْ غَيْبِ اَللَّهِ: فَخُذْ مٰا آتَيْتُكَ وَ اُكْتُمْهُ وَ كُنْ مِنَ اَلشّٰاكِرِينَ تَكُنْ مَعَنَا غَداً فِي عِلِّيِّينَ .[5]
قلب الإمام كان وما يزال مثقلاً بالهموم
والأوجاع المنهكة للقلب بفجائع لا يحتملها غيور على امتداد الحياة من انتشار
للفساد وضعف الحق وتشرذم أهله فكيف سيكون
تفاعلي معه :
▪ أتغيب عن نصرته حضورياً ومنهجياً لكي
لا أحسب أني مهدوي الهوى والانتماء .
▪أبدي تعاطفي القلبي ولكن مظهري سلوكي أولوياتي
لا تتوافق ومنهج إمام زماني فأكون هماً إضافياً على قلبه وأنا المحسوبة من بناته .
▪أقول له إني من محبيك ولكن محبتي عند عتبة
القلب فقط وفقط لا مساس لها في مظهري أو فكري .
▪أخلي ظهره لسياطي مع سياط أعداءه المترصدين له ليجهزوا وأجهز أنا عليه وعلى مشروعه الإلهي بعد قتلهم أباءه من خلال عدم حفظي لدعوته وحمايتي لظهره بثباتي على مبادئه التي ضحى لأجلها هو وآباؤه الطاهرين عليهم السلام.
§ أو أكون مصداقاً للرواية الشريفة التي يتمنى
النبي (ص) رؤية الثابتين من شباب وفتية وفتيات آخر الزمان ، ففي الرواية الشريفة - بصائر الدرجات: ابن معروف، عن حماد
بن عيسى، عن أبي الجارود، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه
اللهم
لقني إخواني " مرتين .
فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا، إنكم أصحابي وإخواني قوم في آخر *الزمان آمنوا ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا، أولئك مصابيح الدجى، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة.[6]
أسئلة حائرة جوابها يحدد موقعي في علاقتي بإمام زماني أرواحنا فداه .
§ قبس من المشروع المهدوي في خطاب المرجعية :
وخير وصية عملية لتحقيق الحضارة المهدوية وصية المرجعية الرشيدة دامت
بركاتها الشريفة .
وليستحضروا
عناءه (عليه السلام) في غيبته لما يراه من المظالم والمفاسد في كل مكان وشوقه إلى
أن يكون ظاهراً ليصلح ما انحرف من دين الله ويقيم العدل بين عباده.
وليعلموا
أنهم جميعاً محل اهتمامه وعنايته، وهو أرأف بهم من آبائهم وأمهاتهم ويهمه أمورهم
وأحوالهم، ويتعهدهم بالدعاء والرعاية، وينبغي أن يتوسلوا بجاهه في قضاء الحوائج
ورفع المشكلات.
وليكونوا
منتظرين لقدومه داعين للفرج عنه وعن الأمة بظهوره مستعدين له بمزيدٍ من التبصر
واليقين وحسن الطاعة.
وليهتموا
اهتماماً كبيراً بطاعته ونيل رضاه وتجنب معصيته وسخطه، فإن طاعته هي طاعة الله
سبحانه ورضاه من رضاه تعالى، كما أن في معصيته وسخطه معصية الله وسخطه.
وإنما
تحصل طاعته (عليه السلام) بالحفاظ على الإيمان والاعتقاد الحق وتعلم الوظائف
الشرعية التي أمر بها الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرون
(عليهم السلام) من آبائه، ثم العمل بها والمواظبة عليها، وتزكية النفس وتهذيبها
وفق ما جاء عنهم، والاتعاظ بمواعظهم والاهتداء بهديهم.
وليسع
كل امرئ منهم أن يكون بسلوكه وأخلاقه وهديه زيناً لهم ولا يكون شيناً عليهم،
فيلتزم بتعاليم الشرع الشريف من أداء الفرائض وترك المآثم والفواحش، والتحلي
بمكارم الأخلاق مثل الصدق وحسن الخلق وكف الأذى عن الآخرين والعفاف في القول
والمظهر والسلوك وإعانة الضعفاء والفقراء واليتامى والمضطرين، والإحسان إلى
الوالدين وصلة الأرحام، فإن فيها رضا الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله)
ومسرة الإمام (عليه السلام) وفي ذلك خير الدنيا والآخرة.
وليتعاون
المؤمنون في زمان الغيبة بما يقتضيه الولاء فيما بينهم بالبر والتقوى وليتواصوا
بالحق والصبر وليحذروا عن التشتت والتفرقة والتباغض.
وليرع
الأغنياء الذين وسع الله تعالى عليهم الفقراء والمحتاجين والمستضعفين والمضطرين
بأداء ما عليهم من الحقوق الشرعية وسائر ما تستوجبه حالات الاضطرار وتقتضيه شريعة
الإحسان، فإن من أعان أحداً من أوليائه (عليه السلام) كان ذلك عوناً له (عليه السلام)
في ذلك لأن هؤلاء كلهم عياله ولكن شاء الله سبحانه غيبته حتى حين.
وليحذروا عن الوقوع في الشبهات المضلة والفتن المهلكة التي تتفق في غيبته وأشدها ما أضرّ بالعقيدة فزلّ صاحبها عن الدين أو ضلّ عن الولاء لهم (عليهم السلام).[7]
وهذا ما سوف نراه بعون الله تعالى إما في حياتنا
أو إن كتب لنا العودة بأكفاننا فقد أورد الشريف في نهج
البلاغة رواية عن أمير المؤمنين عليه
السلام: لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا عقيب ذلك:
" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين
".[8]
بيان:
عطفت عليه: أي شفقت، وشمس الفرس شماسا: أي منع ظهره ورجل شموس: صعب الخلق، وناقة
ضروس: سيئة الخلق يعض حالبها ليبقي لبنها لولدها .
وصلى الله على محمد وآل محمد
[1] - ميلاد الإمام الحجة . 1443.
[2] - سورة القصص :
[3] - سيماء المعصومين (ع) :
505- 506 .
[4] - -ناي، جوزيف، القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية،
العليكان، ترجمة محمد توفيق البجيرمي.
[5] - 📚کمال
الدين و تمام النعمة ج ۲، ص ۳۸۴ .
[6] - بصائر الدرجات .
[7] - نصائح سماحة المرجع السيد السيستاني (دام ظلّه) للمؤمنين في عصر غيبة
الامام المهدي (ع) شعبان 1443هـ .
[8] - نهج البلاغة .
[9] - الأربعون حديثاً للسيد
الإمام (ره ) : 512 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق